سلطنة عُمان.. حين يعلو صوت الحق والحكمة

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

سلطنة عُمان، الجزء الهادئ المُسالم من العالم العربي، الجناح الشرقي الذي لا يطير إلا بغصن السلام، الدولة التي لا تسمع لها صوتًا في الخلافات، ولا تسمع لها دويًّا في التحالفات، ولا ترى لها وقعًا في الفتن والنزاعات، الدولة التي انتقد صمتها الزاعقون، وشتمها في أحيان كثيرة المقرّبون، وانتقدها المُسطّحون، وتآمر عليها المارقون، ولكنها ظلّت صامدة، تعمل بصمتٍ، لكي يظل هذا الخليج هادئًا، ولكي تبقى أصوات العقل واعية، تحاول جاهدة- ودون صوت- أن تعدل المائل، وترتب البيت الخليجي، وتُعيد التوازنات الإقليمية إلى مسارها الصحيح، وتظل دائمًا على الحياد.

عُمان لا تتدخل في شؤون غيرها، ولا تسمح لأحد أن يتدخل في شؤونها، وحين تهدأ صولات الغضب، ويعود عقل "المتصارعين" إلى الواقع، وتنتهي جولة البطولات، ولا يجد "العناترة" طريقًا يسلكونه، لأنهم أحرقوا كل مراكب العودة خلفهم، تتجه الأنظار إلى سلطنة عُمان لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، وتعيد ترميم ما شوهوه، وفي كل مرة تنسى عُمان الإساءات، وتتغاضى عن الهمز واللمز، والاتهامات، وتترفع عن الرد، وتتعالى عن الهبوط إلى مستوى بعض السياسات العربية، وتعمل ما بوسعها لتعيد بوصلة العقل إلى وجهته، دون مزايدات، ودون ضجيج إعلامي، ودون منّ أو أذى.

ولكن.. للصمت حدود، ففي وسط هذا الخنوع المُزري، وهذا الوضع العربي البائس، الذي تمر به الأمة العربية هذه الأيام، وما تتعرض له غزة من مذابح، وإبادة جماعية لا مثيل لها في تاريخ إسرائيل الأسوَد، صمتت تلك الأصوات العربية النشاز، وخفت بريقها، وخبا سعيرها، واختبأت خلف متاريس المعاهدات التي أبرمتها، وأضحت لا ترى، لا تسمع، لا تتكلم؛ بل وأيّد بعضها المحرقة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الخفاء وفي العلن، وسقطت أقنعة "الدم العربي الواحد"، وهنا.. ارتفع صوت سلطنة عُمان، وأعلنت مواقفها بكل وضوح، ودون مواربة، وأدانت آلة القتل الإسرائيلية، وأعربت في كل حدث عن موقفها الصريح، رغم ما يجرّه ذلك عليها من غضب الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وبريطانيا، وهما الحليفتان التقليديتان لها، إلا أن ذلك لم يفت في عضدها، ولم تساوم على دم الفلسطينيين، ولم تخفِ إدانتها للاحتلال في كل مناسبة.

وحين بدأت الضربات البريطانية الأمريكية على اليمن، مُتذرعة بالأعمال العسكرية التي تقوم بها جماعة أنصار الله، بزعم أنها تسبب في زعزعة استقرار البحر الأحمر، في حين أن هذه الضربات في الواقع تأتي لتأمين الحماية الكاملة لإسرائيل من كل ما يمس أمنها المنكوب أصلًا، وهنا.. كذلك كان صوت سلطنة عُمان ناقدًا لهذا العمل المُتهوِّر، الذي قد يجر المنطقة برمتها إلى حرب عالمية، ورغم أن الولايات المتحدة ذات خبرة عالمية في الهزائم، إلّا أنها لم تتعلم الدرس أبدًا، ولم تعرف سيكيولوجية الشعوب المقهورة التي كانت سببًا في تعاستها، ولم تفهم بعد أن اليمن كان دائمًا مقبرة الغزاة، وأن الحرب لا تعني النصر دون خسائر، غير أنها تصُم أذنها عن كل دروس التاريخ من أجل عيون ربيبتها إسرائيل، ولذلك يأتي صوت سلطنة عُمان غاضًبا، وناقدًا لهذا العمل الذي يزعزع أمن وسلام العالم ككل، بينما نامت عيون الصارخين في الظلام، والمزايدين على القضايا العربية.

إنَّ صوت سلطنة عُمان هو صوت الحق، وصوت العدل، صوتٌ يشرِّف كل مواطن عربي نبيل، صوت لا يَظهر إلّا حين تخفت أصوات الناعقين، الذين يملأون الدنيا نقيقًا في الصغائر، ويختفون حين يُباد أبناء العرب ويُقتلون أمام أعينهم، ولا يتحرك لسانهم إلّا بالباطل، ولذلك يفخر العُمانيون بموقف بلادهم، الذي لا ينفصل عن صوتهم، ومواقفهم، ولذلك يبقى صوت عُمان السياسي عاليًا، تمامًا كتاريخها الأصيل.