غزة.. انتصار المقاومة وهزيمة الكيان

 

سالم أحمد بخيت صفرار

"وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى" [الأنفال 17].. انتصرت المُقاومة حينما سطّرت عملياتها القتالية ببراعة تامة ودقة التخطيط وبلوغ الهدف، لقد أظهرت عملية طوفان الأقصى حقيقة المقاومة، وعرّت الجيش الصهيوني، وأظهرته على حقيقته التي يتغنى بها، والذي يحاول إرعاب الجميع أنَّه الأسطورة والجيش الذي لا يقهر.

بعد ثلاثين يومًا من بدء عملية طوفان الأقصى تجلّت الحقائق، وانكشفت الأقنعة وظهر المستور، أي شعب أنتم يا أهل غزة؟ قدمتم للعالم أعلى أمثلة العزة والكرامة والثبات والشجاعة، أي إيمان هذا الذي لديكم وأي صبر تميزتم به وأنتم تزفون الشهداء أفواجا، لقد أعدتم للأمة مكانتها وهيبتها، وبعثتم فيها الأمل. مشاهد حقيقة لا توصف حينما ترى أهل غزة، وهم يتناولون فطورهم بين الركام وتحت وابل القصف في ثبات وعزيمة ولا عجب في ذلك لأنه لا يصدر إلا من أهل الأرض الممتدة إليها جذورهم العميقة.

حينما قرر جيش الكيان الصهيوني الدخول البري لغزة أمضى أيامًا وهو في حالة تخبط حول تحديد توقيت الدخول، ودخلت في بادئ الأمر قوة خاصة أمريكية إسرائيلية على صيغة أفلام الأكشن الهوليودية آملين أن يُحَرروا الأسرى، لكنهم يجهلون الأسود الضواري التي تنتظرهم والمتسلحة بالإيمان، وتستعجل الموت أملًا في نيل الشهادة، وحدث ما لم يتوقعوه؛ إذ اندحرت تلك القوات منهزمة بين قتيل وأسير؛ مما اضطر قادة العملية للتراجع بما يمكنهم الحفاظ عليه، يدَّعِي جيش الكيان أنه نفذ توغل بريًا في غزة، ولكنه في الواقع لم يتمكن من الدخول سوى لمسافة قليلة جدًا، وتحولت آلياته وجنوده إلى فرائس تصطادها أسود المقاومة بين قتيل وجريح وأسير، في حقيقة لا يجرؤ جيش الكيان الصهيوني على البوح بها، مخافةً من عواقبها في انهيار معنويات جيشه وتأليب الرأي العام الداخلي في إسرائيل، ويقدم الروايات المضللة الواحدة تلوى الأخرى في تكتم كبير على الخسائر الفادحة التي مُني بها في محاولاته لعبور غزة.

وإزاء تلك الهزائم الفاضحة يرتكب جيش الكيان الصهيوني المجازر تلوى الأخرى والغارات الهمجية الوحشية على المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال، وهذا يدل بما لا يدع مجالًا للشك على فشله وهزيمته وإفلاسه، ولا نستغرب أن ينتهك هذا الكيان المجرم القوانين والشرائع الدولية، فهذه سجية المجرمين القتلة، ولا نتوقع منه قيماً وأخلاقيات فهو لا يمتلكها. لقد قدمت المقاومة، وضربت أروع الأمثلة في الصمود والتحدي وتحقيق المستحيل وهي فصيل بسيط بأسلحة محلية الصنع، ولا يوجد هناك أي مقارنة أو تكافؤ بين الطرفين المتقاتلين المقاومة وجيش الكيان الصهيوني. مقاومة بدأت بالحجارة والأسلحة البيضاء، وها هي اليوم تشكل لإسرائيل الرعب، فأي الرجال أنتم وأي طاقات تمتلكون فأنتم حقيقةً صنعتم المستحيل، حينما يتبادر إلى الذهن خروج هؤلاء الأبطال من الأنفاق والانقضاض على الأعداء وأسرهم والعودة بهم إلى الاتفاق فهل تساءلنا؟ كم الجهد والوقت والتخطيط والأعباء ومواجهة المخاطر في حفر هذه الأنفاق، فهذا من صنع المستحيل، عندما تُطْلَق الصواريخ هل تساءلنا؟ كيف حصلت عليها وكيف صُنِعَت محليا وكيفية تأمين المواد الخام في ظل حصار جائر برًا وبحرًا وجوًا، فكم من المخاطر واجهت تلك العقول في أدائها، فهذا من صنع المستحيل، حينما يقوم أبطال المقاومة بتنفيذ العمليات القتالية، والتي انبهر العالم بعملية طوفان الأقصى من حيث التخطيط والإعداد والتنفيذ الدقيق للأهداف دون ترك فرصة للفشل، واليوم بعد ثلاثين يومًا من الحرب، ولا يزال أبطال المقاومة هم المتحكمون، فهل تساءلنا كم استغرق إعدادهم وتدريبهم هذا التدريب العالي في الكفاءة القتالية؟

إنِّهم بالفعل صنعوا المستحيل، ومرغوا أنف الكيان الصهيوني في الوحل والمقاومة اليوم ليس كما قبلها، فقد تغيرت المعادلة، وها هي إسرائيل في نهاية المطاف ستجد نفسها مُجبرةً، رغمًا عنها للرضوخ للتفاوض مع حماس وحماس شامخة، دون أن تُطأطئ الرأس.

تعليق عبر الفيس بوك