غزة.. بين نفاق غربي وصمت عربي

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

ها نحن نقترب من يوم آخر لحرب الإبادة التي لا تهدأ، حرب دون هوادة تشنها إسرائيل وأذنابها على غزة، حرب على الشجر والحجر والبشر، حرب تحاول اجتثات الفلسطينيين من على وجه الأرض، تحاول رميهم في البحر، جريمة قتل كاملة الأركان أمام أنظار العالم، لا أحد يحرك ساكنًا، لا أحد يحاول التصدي للجريمة، كل هذا العالم الصامت شريك في قتل الأطفال.

هذا العالم المدّعي للمدنية يغض الطرف عن انتهاكات مخزية بحق قتل مدنيين عزّل، قتل مرضى لا حول لهم ولا قوة، عائلات بأكملها مُحيت من الوجود، "هولوكوست" جديدة، يقوم بها ضحايا "هتلر"، هؤلاء القتلة الذين يحاولون القضاء على كل شيء يقف في وجوههم، لكي يبقوا وحدهم.

وفي جانب آخر، نرى عربًا يحيطون بإسرائيل من كل الجهات، ينظرون إلى المشهد بيأس، يهرولون بين أروقة منظمات عربية وغربية يستنجدون موقفًا غربيًا يوقف المجزرة، ولا يفعلون شيئًا غير الكلام؛ فالجميع خائفون من ردة فعل الولايات المتحدة، هذه الدولة الشريك والرفيق للكيان الإسرائيلي والتي قامت على أشلاء وجماجم "الهنود الحمر"، تحاول أن تُعيد الكرّة مرة أخرى، وأن تصدّر تجربتها العتيدة في الإبادة الجماعية والعرقية لكي توطد أقدام اليهود في أرض "الميعاد المزعوم"، "أرضٌ دون شعب، لشعبٍ دون أرض" كما روّجوا لها، ها هم اليوم يحاولون إعادة المشهد المأسوي لـ"بيرل هاربور"، وبعدها إيجاد المسوّغ الأخلاقي لإلقاء القنبلة النووية للفوز الكارثي بالحرب، الدول العربية أيضاً ليست بريئة من الجريمة، إخوانهم يبادون أمامهم، وهم ينظرون عاجزون حتى عن إدانة القاتل، ينظرون إلى أهالي غزة وهم يموتون عطشًا، وجوعًا، ومرضًا أمام أعينهم، وهم غير قادرين على اتخاذ موقف حازم ينهي هذه المأساة، لأنهم يخشون من أن يوصموا بـ"الإرهاب"، هذا المصطلح المراوغ الذي يساوي بين المقاومة وبين المحتل، والذي أصبح الشماعة التي يعلق الغرب عليها جرائمه ضد كل دولة أو جماعة لا تسير على هواه.

مشاهد الجثث والأشلاء اليومية لا تحرك ضميرًا غربيًا، إنهم يرون الصورة بالمقلوب، الضحية التي حاولت الثأر لنفسها، واسترداد حقوقها، أصبحت هي المجرمة والإرهابية، بينما أصبح السفاح المغتصب ضحية مسكينة!!

أي بؤس هذا الذي يعيشه العالم؟ أي انهيار أخلاقي وإنساني هذا الذي نشاهده؟

الغرب الذي حاول أن يتخلص من اليهود، ويضمن بقاءهم بعيدًا عنه، أعطاهم أرضا لشعب آخر، أهداهم أرضًا ليست لهم، ثم أقنعوا أنفسهم -الغرب واليهود معًا- أن هذه "أرض الميعاد" التاريخية، التي لا حق لأحد غير اليهود فيها، أرض محاطة بألسنة عربية، بينما هناك كيان واحد فقط غريب، أتى من الشتات، أصبح صاحب الحق والسيادة بحكم القوة!!

حروب خاضها العرب، انتهت معظمها بهزيمتهم، (لا أتصور أن مجموعة من البشر مشتتين، مضطهدين، أتوا من كل أصقاع الأرض، دون هوية، ولا وطن، يغلبون دولا قائمة، وعظيمة، وقوية، تمتلك السلاح، والعتاد، والعدة، والجيوش)، هناك أمر غير طبيعي في هذه الحكاية، كيان في مهده يحتل أراضي أربع دول عربية!! أعتقد أن التاريخ لم يخرج كل أوراقه ليجيب على هذا السؤال الحائر حتى الآن: ما الذي حدث في تلك النكسات، والنكبات العربية حتى ينتهي الأمر بما انتهى إليه؟!

الواقع اليوم.. أن الفلسطينيين يُبادون دون أن يحرك العالم ساكنًا، وأن الغرب والعرب كلهم شركاء في الجريمة، وأن القومية العربية مجرد كذبة كبيرة، وأن الديمقراطية الغربية وهمٌ لا وجود له، وأن الإعلام المحايد أكذوبة أخرى، وأن من لا يملك قراره لا يملك حريته، وأن المسرحية الهزلية/ المبكية التي نشاهدها لم تنتهِ بعد، ورغم ذلك فهناك حقيقة واحدة لا شك فيها هي.. أن دولة فلسطين قادمة- لا محالة- من بين دم الشهداء والمقاومة.