من الأُمِّي في عصر الذكاء الاصطناعي؟

 

مؤيد الزعبي **

من هو الأمي في عصرنا الحالي عصر الذكاء الاصطناعي؟ وهل فعلًا هناك مهارات يجب أن نتعلمها حتى لا نفقد وظائفنا في المستقبل القريب؟

عزيزي القارئ.. مهما كانت وظيفتك؛ سواءً أكنت تُحبُها أو لا تحبها؛ سواءً أكنت ممن يحبون بيئة العمل أو ممن يكرونها، إلّا أنك ستتفق معي على أنك لن تكون سعيدًا لو وجدت روبوتًا أو أداة ذكاء اصطناعي بديلة عنك، والذي سيجعلك حزينًا أكثر عندما تعلم أن مهاراتك العملية الحالية لن تشفع لك أبدًا في قادم الوقت؛ بل على العكس ستبحث شركتك أو مؤسستك عمّن يمتلك مهارات لم تعلم أساسًا بأنها مهارات يجب أن تمتلكها. ولهذا دعني- عزيزي القارئ- أتحدث معك من خلال هذا الطرح عن مهارات يجب أن تمتلكها في أسرع وقت ممكن حتى لا تفقد وظيفتك وحتى لا تكون أميًّا في هذا الزمان؟

لا تقول لي إنك لم تلاحظ أن الذكاء الاصطناعي بدأ في الدخول لكافة المجالات؛ فلو كنت محاميًا فالذكاء الاصطناعي سيكون قادرًا على أن يقوم بمهامك في قادم الوقت، ولو كنت مهندسًا معماريًا تجد في نفسك المهندس الأسطوري الذي يصمم أفضل العمارات والمباني؛ فالذكاء الاصطناعي لن يتركك في حالك، وها هو بدأ يصمم بيوتًا وعمارات ويصمم مدنًا وبجودة عالية، وبأفكار لا تخطر على بالك!

ولو كنت طبيبًا فأنت "شايف وعارف" أن الأذرع الروبوتية بدأت فعليًا بالدخول لغرف العمليات، وبدأت الحواسيب قادرة على تشخيص الأمراض والتنبؤ بها- إن أردت ذلك- ولو كنت صحفيًا أو إعلاميًا تتباهى بأنَّ مكانك محفوظ في مستقبل الذكاء الاصطناعي، فاعلم يا صديقي أن الذكاء الاصطناعي بات هناك في غرف الأخبار ويُقدم نشرات الأخبار ويكتب مقالات وأخبارا في مختلف المجالات، وقريبًا سيُدير منظومات إعلامية أكبر! ولو كنت مُعلِّمًا وتقول لنفسك إن المنظومة التعليمية لن تستغني عنك، فأنت مُخطئ، فحتى لو لم يتم استبدالك بالروبوتات فهناك مشكلة تواجهك؛ فمهاراتك التدريسية غير كافية بالنسبة لمنظومة التعليم المستقبلية.. اعتذر منك أيها المُعلم، فأنت بمهاراتك الحالية أُمِّيٌ (بتشديد الميم) حتى لا تفهمني خطأ!

حسب الدراسات، فإن 44% من المهارات سوف تتغير خلال الخمس سنوات المُقبلة، وما نجده اليوم مهارات عملية متطورة، ستصبح أقل من المستوى في قادم الوقت؛ فالمستقبل سيتطلب منك مهارات جديدة؛ مثل أن تكون على علم بكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي. نعم صديقي القارئ؛ فالذكاء الاصطناعي أنت مطالب بأن تفهمه وتفهم كيف تُدخِله في أعمالك لتُنجِز مهامًا أكثر وأسرع، وإلّا أنت تعرف الإجابة وإلى أين سينهي بك المطاف لو تعنَّتَ وقلت ليس ضروريًا.

مهما كانت وظيفتك، فيجب أن تتعلم كيف تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، وكيف تجعلها مساعدك الشخصي؛ لتُنجز أعمالك بشكل مُتقَن وبسرعة أكبر وبإبداع أكبر، ومهما كانت وظيفتك قريبة من العمل الإنساني البعيد عن الآلات والروبوتات والحواسيب؛ فيجب أن تتعلم الذكاء الاصطناعي وكيف يمكنه أن يحسن ما تقوم به، والأمر لا يقتصر على الموظفين فقط؛ بل حتى المدراء والطلاب أيضًا، فمهارات الذكاء الاصطناعي ستكون مطلب لا غنى عنه في جميع مراحل الحياة.

خلال السنوات القليلة المقبلة ستصبِحَ مُطالبًا بأن تستخدم "شات جي بي تي" وغيرها من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليديّ؛ لتوليد نصوص وصور وفيديوهات ورسومات وتصاميم بأفكار وخيالات مغايرة، سيكون مطلوبٌ منك كيفية توظيف البيانات وعلوم البيانات لإنجاز مهامك في بعض الأحيان، سيكون مطلوبٌ منك أن تُثقِّف نفسك بكل ما هو جديد في عالم التقنية؛ لتتمكن من استخدام كل ما هو جديد ضمن مجال عملك وتخصصك.

مهارات الحواسيب التقليدية لن تكون مهمة في قادم الوقت، فلا تقول لي إنك ماهر في الطباعة وفي استخدام برمجيات الأوفيس، ولا حتى ماهر في إدخال البيانات، فكل هذه المهارات ستصبح بلا قيمة مستقبلًا؛ بل عليك أن تكون ماهرًا في استخدام البرمجيات والأدوات التي تقوم بكل هذه المهام أوتوماتيكيًا ودون تدخلك، وسيكون مطلوبٌ منك أن تُحدِّث نمط تفكيرك وتعاملك مع الذكاء الاصطناعي وأن تجد فيه رفيقك ومساعدك حتى لا يجلس هو مكانك.

إنَّ المهارات المستقبلية ستتركز في كثير من الأحيان على كيفية استخدامك للأدوات المُستحدثة في عالم التقنية؛ فتخيل معي عزيزي القارئ أنه منذ ظهور ChatGPT، زاد الطلب على المتخصصين في هذه الأنظمة لإدخال هذه التقنية في المؤسسات وتدريب العاملين عليها، ولك أن تتخيل أنك لو سابقت الزمن وجهّزت نفسك لكل مهارة مستقبلية مُحتمَلة فسيكون لك نصيب الأسد في بيئة العمل المستقبلية.

المستقبل لن يعترف بأي مهارة معتمدة على السرعة ولا على أي مهارة تعتمد على التكرار؛ بل ستعتمد على مهارات تتحدث بشكل سريع؛ فاليوم أنت مطالب بكيفية استخدام أداة معينة، وغدًا سيكون مطلوب منك أن تتعلم أداة أكثر تطورًا. وملاحقة هذه السرعة في التقدم ليست بالأمر الهين، لكن إن جعلت الأمر شغفًا بتطوير الذات، فسوف تجد في ذلك المتعة.. المهم أن لا يُقال عنك أُمِّيًّا في قادم الأيام.

** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط