الحماية الاجتماعية.. رسالتي لمجلس عُمان

 

خلفان الطوقي

 

طال انتظار العُمانيين لقانون الحماية الاجتماعية، ويأمل الجميع أن ترى المنظومة الجديدة النور في القريب العاجل بإذن الله، فمن خلال التصريحات الإعلامية الأخيرة لبعض أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى يستبشر الجميع بأنَّ هناك توافقًا بينهم وبين ممثلي مجلس الدولة في بعض النقاط الجوهرية، وأن اجتماع ممثلي المجلسين الأخير- من خلال اللجنة المشتركة- تمهيد لجلسة التصويت التي ستعقد خلال أيام، ومن المؤمل أن يتم التصويت على كامل مواد مشروع القانون، والانتهاء منه في هذه الجلسة، ورفعه للمقام السامي- أيده الله- لاعتماده وإصداره.

وفي هذا السياق، أودُ الإشارة إلى جملة من الملاحظات، فقد ظهرت خلال الشهور المنصرمة، تصريحات لبعض أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى تُبيِّن ملامح مشروع قانون منظومة الحماية الاجتماعية، مع ورود معلومات تُفيد بإضافة 7 مواد، وتعديل 64 مادة، وحذف 9 مواد، وقد أعلن مجلس الدولة بتاريخ 18 أبريل أن هناك تباينًا في وجهات النظر فيما بين المجلسين حول عدد من المواد، وبتاريخ 20 أبريل ذكر عضو مجلس الدولة المكرم الشيخ محمد الحارثي أنه لا يوجد اعتراض على زيادة المنافع في حال توافُر السيولة المالية، علمًا بأنَّ الزيادة ظهرت في مضاعفة منفعة الطفولة من 10 إلى 20 ريالًا شهريًا، ومن ثم يزيد المبلغ المُخصص في الميزانية العامة للدولة من 156 مليون ريال عُماني إلى 312 مليون ريال عماني، وكذلك زيادة منفعة كبار السن من 115 ريالًا عمانيًا إلى 150 ريالًا عمانيًا شهريًا، وبذلك تزيد الكلفة من 200 مليون ريال عماني سنويًا إلى 250 مليون ريال عماني، لحوالي 140 ألف شخص حسب الإحصائيات الرسمية. وأيضًا إضافة علاوة أمومة بمبلغ 50 ريالًا عمانيًا شهريًا ولمدة عامين لحوالي 80 ألف مولود سنويًا، وهو ما يُكلف المنظومة 96 مليون ريال عماني سنويًا، وعلاوة "ربات البيوت" اللائي ليس لديهن دخل مالي، ويصل عددهن إلى حوالي 320 ألف امرأة تتراوح أعمارهن من 20 إلى 59 سنة، وتصل التكلفة المالية نحو 384 مليون ريال عُماني سنويًا، وكذلك إضافة منفعة الباحثين عن عمل والتي ارتفعت نسبة التسجيل فيها بعد تسريب نسخة من القانون، ليصل إلى 110 آلاف باحث عن عمل، وتصل كلفة هذه العلاوة إلى 198 مليون ريال عماني سنويًا.

وفي ذات السياق وحسب التصريحات الإعلامية المنشورة، فإن الإضافة المالية قد تصل إلى مليار ونصف المليار ريال عُماني، إضافة إلى المبلغ المرصود وهو مليار و400 مليون ريال عماني، وبذلك ستقفز التكلفة الإجمالية إلى 2.9 مليار ريال عماني؛ أي أن الإضافة المالية بنفسها شكلت حوالي 107% من الموازنة المرصودة لمنظومة الحماية الاجتماعية كاملة!

لا أحد يشك للحظة أن هناك من يسعى لتهميش فئة من فئات المجتمع، أو التخلص من أي برنامج اجتماعي يُفيد فئة بعينها، لكن هناك من هو أولى من غيره للاستفادة من هذه المنظومة التي طال انتظارها، والتي أكملت حوالي سنتين من الدراسة المتعمقة من اقتصاديين وقانونيين وإخصائيين في علم الاجتماع والأنظمة الاكتوارية وموظفين من صناديق التقاعد المختلفة، فضلًا عن الاستعانة بمستشارين دوليين من منظمة العمل الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وإشراف مستمر من منظمة اليونيسيف المعنية عالميًا بشؤون الأمومة والطفولة.

وعليه.. فإن أي اختلاف جوهري ومُكلّف بين توصيات مجلس عُمان بغرفتيه مع الحكومة يعني تأجيلا مُطوَّلا ومُعقَّدا لا يخدم المصلحة العامة في شيء، ولا يعني ذلك التشكيك في أحد، لكن أي اختلاف جوهري بين ما هو مرصود وبين ما هو مطلوب، يعني إعادة دراسات عميقة ومطولة، وضرورة إيجاد طرق تمويلية من إحدى المصادر الثلاثة: الاقتراض ومن ثم رفع مستوى الدين، أو رفع نسبة الاشتراكات من الموظف في القطاع الخاص والحكومة، أو رفع الرسوم والضرائب بشكل أو آخر، أضف إلى ذلك التضحية بمستوى جودة الخدمات المقدمة وتأجيل بعض المشاريع التنموية والاستثمارية، وكما هو واضح أن الخيارات جميعها مؤلمة.

وأخيرًا.. أدعو جميع أعضاء المجلسين- خاصة بعد الاجتماع الذي عقدته اللجنة المشتركة بحضور ممثلين من المجلسين- لتقديم التضحيات المُمكنة، ووضع مصلحة الوطن والمواطن أولًا، والتصويت الإيجابي الواقعي المبني على قاعدة "ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله"، وبذلك يتسنى رفع القانون في أسرع وقت ممكن إلى المقام السامي -نصره الله- واعتماده وإصداره رسميًا.