الخطوط الحمراء عند الإمام علي

 

د. حيدر بن أحمد اللواتي

مرَّت الأمة الإسلامية في تاريخها بتحديات كثيرة ومتنوعة، ولعل أحرجها تلك الفترة التي أعقبت وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلقد كان الإسلام في حينها طري العود وكانت دول عظمى تحيط بالدولة الإسلامية الفتية وتراقب ما يحدث لها عن كثب، وما إن تُوفي النبي حتى دبَّ خلاف حاد وانقسام كبير بين الصحابة أنفسهم حول من يلي شؤون المسلمين ويقود مسيرتهم.

وكان الإمام علي بن ابي طالب من بين الصحابة الذين يقودون تيارًا معينًا؛ إذ كان يعتقد أنَّ النبي أوصى له بالخلافة وأنه أحق بها من غيره، ومع مرور الأيام اشتد الخلاف، ولكن الإمام علي كان حذرًا أن لا ينحو الخلاف بنحو يضر بمصالح المسلمين، لذا عندما جاءه البعض مشيرًا عليه بأنه على استعداد أن يمده بالخيل والرجال رفض الإمام عليّ عرض الرجل رفضًا قاطعًا ووبخه توبيخًا شديدًا؛ بل واتَّهمه بأنه يريد شرًّا بالمسلمين "والله إنك ما أردت بهذا إلاّ الفتنة، وإنك والله طالما بغيت للإسلام شرًا".

الملاحَظ أنَّ الإمام علي -كرَّم الله وجهه- آمن بأهمية الحفاظ على وحدة المسلمين طوال حياته الكريمة؛ بل وصرح أكثر من مرة بهذا الأمر؛ إذ ينسب له قوله: "والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة، التماسًا لأجر ذلك وفضله". وورد عنه أيضا: "فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلمًا أو هدمًا تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه". وورد عنه قوله: "الزموا السواد الأعظم، فإنَّ يد اللّه مع الجماعة، وإياكم والفرقة فإنَّ الشاذ من الناس للشيطان، كما أنَّ الشاذ من الغنم للذئب".

وورد عنه قوله: "ليس رجلٌ أحرص على جماعة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وألفتها مني ابتغي بذلك حسن الثواب، وكرم المآب، وسأفي بالذي وأيت على نفسي".

إنَّ المواقف المختلفة والأقوال الكثيرة المنسوبة للإمام علي تدلُّ على عظمة هذه الشخصية وذوبانها في أمر الله، وحرصها الشديد على الإسلام وأهله؛ فعلى الرغم من إيمانه العميق بحقه في الخلافة، ورغم موقعه وقرابته من النبي، إلّا أنه قدّم المصلحة العليا المتمثلة في حفظ وحدة الأمة على كل المصالح الأخرى التي كان يراها؛ فلقد كانت وحدة الأمة خطًا أحمرَ لا يمكن له أن يتعداه، ولأجله يهون الغالي والنفيس.

وظلَّ الإمام علي حريصًا على وحدة الصف الإسلامي حتى وهو على فراش الشهادة في آخر لحظات حياته؛ إذ وجه حديثه لبني عبدالمطلب مُحذرًا إياهم من إثارة الفتن بين المسلمين: "يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون في دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين ألا لا تقتلنّ بي إلاّ قاتلي؛ انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثّلوا بالرّجل فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور".

إنَّ واقعَ المسلمين اليوم يدعونا لإعادة تقييم الخطوط الحمراء التي يرسمها البعض في قضايا لا تشكل أهمية؛ بل هي قضايا جزئية وربما هامشية نختلف عليها وفي تقييمها، بينما نراهم وفي المقابل يتهاونون في رسم خطوط حمراء في قضايا تشق وحدة المسلمين وتحدث شروخًا فيها.. نقول لهؤلاء أعيدوا رسم خطوطكم الحمراء لتلتقي مع أهداف ديننا وتعاليمه العليا، وتكون امتدادًا لنهج عظماء أمتنا الإسلامية.