بعد أن تسكت المدافع في أوكرانيا!

 

د. رفعت سيد أحمد

الآن وعلى إيقاع صوت المدافع في أوكرانيا والتي يسمعها ويتأثر بها العالم أجمع وبعد أكثر من أسبوع من اندلاع الحرب ...نعتقد أنَّ تلك الحرب عندما تسكت مدافعها –إن سكتت وهو أمر قد يطول وقته - ستكون النتيجة أننا أمام عالم جديد تبرز فيه أقطاب دولية جديدة وستنتعش فيه الصراعات مع ظهور جديد للإرهاب الديني المسلح داخل روسيا وبعض الدول الأوروبية وستكون تلك هي نهاية وليست بداية الحرب العالمية الثالثة التي بدأت-في تقديرنا- مع ما سمي بثورات الربيع العربي البرتقالية منذ عشر سنوات وكان نصيب أوكرانيا منها ثورة يقودها ممثل كوميدي من الأقلية اليهودية الأوكرانية(400 ألف من 45 مليون هم عدد السكان) التي تسيطر على قرابة الثمانين بالمئة من الاقتصاد الأوكراني ..سنكون أمام واقع جديد وتسويات جديدة وحقائق جديدة قد نشاهد فيها اختفاء دول وصعود أخرى ولنتأمل ونستقرئ عالم ما بعد الحرب الدائرة في هذه التأملات.

أوكرانيا: الأزمة والدولة

أولاً وقبل تأمل المستقبل دعونا نفهم ما هي تلك الدولة الأزمة التي تعيش إحدى حلقات الحرب العالمية الثالثة. الحقائق تقول إنها ليست مجرد دولة صغيرة، بل هي قلب الأمن القومي الروسي..والتاريخ يؤكد أنَّ من يستولي علي قرارها ومقدراتها سوف يسيطر على روسيا ذاتها بسبب الجغرافيا والتاريخ المشترك باعتبارها كانت إحدى أهم دول الاتحاد السوفيتي السابق وكان بها قرابة 1700 رأس نووي تمَّ تفكيكها لاحقاً ...أوكرنيا تلك تقول الحقائق بشأنها أنها أكبر دولة أوروبية، وأكبر من فرنسا. وأن أراضي دونباس، التي تحتلها روسيا، بحجم دولة سويسرا.

وترجع أهمية أوكرانيا إلى أنها الدولة الأولى في أوروبا من حيث الاحتياطيات المؤكدة القابلة للاسترداد من خامات اليورانيوم، وصاحبة المركز الثاني في أوروبا والمركز العاشر في العالم من حيث احتياطي خام التيتانيوم، وصاحبة المركز الثاني في العالم من حيث الاحتياطيات المستكشفة من خامات المنجنيز (2.3 مليار طن، أو 12٪ من احتياطيات العالم)، ثاني أكبر احتياطي لخام الحديد في العالم (30 مليار طن)، وصاحبة المركز الثاني في أوروبا من حيث احتياطيات خام الزئبق، وصاحبة المركز الثالث في أوروبا والمركز الثالث عشر في العالم في احتياطي الغاز الصخري (22 تريليون متر مكعب) وصاحبة المرتبة الرابعة في العالم من حيث القيمة الإجمالية للموارد الطبيعية، والمركز السابع عالميا في احتياطي الفحم (33.9 مليار طن).

إضافة إلى أن دولة أوكرانيا بلد زراعي: فهى الدولة الأولى في أوروبا من حيث مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، وهي في المركز الثالث على دول العالم من حيث مساحة التربة السوداء (٪25 من حجم العالم)، ودولة أوكرانيا هي صاحبة المركز الأول في العالم في صادرات زيت عباد الشمس وزيت دوار الشمس، وصاحبة المركز الثاني عالمياً في إنتاج الشعير والمركز الرابع في صادرات الشعير. وثالث أكبر منتج ورابع أكبر مصدر للذرة في العالم، ورابع أكبر منتج للبطاطس في العالم. والمركز الخامس عالمياً في إنتاج عسل النحل (75.000 طن)، والمركز الثامن في العالم في صادرات القمح. والمركز التاسع في العالم في إنتاج بيض الدجاج...والمركز السادس عشر على مستوى العالم في صادرات الجبن. ويمكن لأوكرانيا تلبية الاحتياجات الغذائية لنحو 600 مليون شخص.

أوكرانيا أيضًا بلد صناعي؛ فهي البلد الأول في أوروبا في إنتاج الأمونيا والثامن في العالم من حيث القدرة المركبة لمحطات الطاقة النووية، وتمتلك شبكة سكك حديد من أطول شبكات السكك الحديدية في أوروبا والعالم حيث تحتل المركز الثالث في أوروبا والمركز الحادي عشر في العالم من حيث طول شبكة السكك الحديدية (21.700 كم)، وتحتل المركز الثالث في العالم (بعد الولايات المتحدة وفرنسا) في إنتاج أجهزة تحديد المواقع ومعدات تحديد المواقع.

وأوكرانيا ثالث أكبر مُصدّر للحديد في العالم ورابع أكبر مصدر للتوربينات لمحطات الطاقة النووية في العالم، ورابع أكبر مصنع لقاذفات الصواريخ في العالم، والمركز الرابع في العالم في صادرات التيتانيوم والمركز الثامن في العالم في صادرات الخامات والمركزات، والمركز التاسع في العالم في صادرات منتجات الصناعات الدفاعية.

والمركز العاشر كأكبر منتج للصلب في العالم (32.4 مليون طن).

ثانيًا: أما من كان يحكم أوكرانيا قبل الحرب الروسية عليها فهو فلاديمير زيلنسكي.. وهو مُمثل كوميدي أصبح رئيساً لأوكرانيا بعد انقلاب 2014 ضد الرئيس الشرعي في حينه، وقيل إن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية كان لها دور في ذلك، وخاصة من خلال جورج سورس ممول الثورات الملونة في العالم. وزيلينسكي (يشاع أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية) من أصول روسية؛ حيث جد والده كان أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي كان ستالين زجه بالسجن ونفاه فيما بعد من روسيا إلى أوكرانيا.

أما رئيس الوزراء الأوكراني دينس أشماهول، فهو الآخر يهودي يحمل الجنسية الإسرائيلية، إضافة إلى 10 وزراء آخرين من أعضاء الحكومة الأوكرانية وبعضهم يحمل الجنسية الإسرائيلية وبعضهم الآخر يحمل جنسيات دول أوروبية غربية.

وتلك التركيبة الحاكمة يتردد أنها على علاقات وثيقة مع المجموعات النازية الجديدة المنتشرة في أوكرانيا رغم التناقض الشكلي بين (اليهودية) و(النازية) باعتبارهما على طرفي نقيض تاريخيا ولكنهما التقيا معًا في أوكرنيا وهو الأمر الذي يحمل دلالات عدة!

ثالثًا: نأتي إلى المستقبل والذي توكد الحقائق على الأرض بشأنه أن الأزمة الأوكرانية- الروسية قد تنتهي بتسوية إستراتيجية، ضمن قواعد الحرب العالمية الجديدة المستمرة منذ سنوات أو قد تتوسع لحروب عالمية متنقلة تمتد من الصين إلى كوريا الشمالية، الى استخدام السلاح النووي، فإذا ما بحثنا سيناريو التسوية الاستراتيجية، فإنها ستكون حتمًا لصالح روسيا لأنها تتصل مباشرة بعصب أمنها القومي، رغم العقوبات الكبيرة (وخاصة نظام السويفت القاتل) والتي فرضت عليها ورغم الأسلحة الألمانية والأمريكية التي تم إرسالها إلى الحكومة الأوكرانية ورغم الدم والضحايا، أما السيناريوهات الأخرى المتوقعة بشأن توسع الحرب إذا ما استمرت المعركة الروسية الأوكرانية لفترة طويلة فإننا يمكن أن نسجل السيناريوهات التالية:

  1. بعد استرداد أنفاسها ووصول الصواريخ والمساعدات العسكرية الغربية إلى أوكرانيا تقوم إداراتها وجيشها بقصف الأقاليم المستقلة وربما تضرب الأراضي الروسية ذاتها وهو الأمر الذي ستعتبره موسكو ذريعة للرد الموسع.
  2. جماعات إرهابية من الروس الحلفاء للغرب يبدأون التخريب داخل روسيا للضغط المُسلح عليها من الداخل.
  3. الناتو يفعل أدوات التشويش والتداخلات الإلكترونية والروس يبادرون بالمثل.
  4. معركة طويلة حتى سقوط كييف عاصمة أوكرانيا.
  5. الصين تصرح وتهدد تايوان.
  6. الناتو يُؤمن حدود بولندا ورومانيا بحشود عسكرية.
  7. هجمات سيبرانية متنوعة في العالم ضد مواقع رسمية دولية.
  8. احتمال تعرض خدمات الإنترنت في العالم للشلل على فترات.
  9. أوروبا وحلفاء أمريكا سيُصعدون من العقوبات مع استمرار حشد القوات في شرق أوروبا وتزايد العقوبات وسحب الدبلوماسيين.
  10. كوريا الشمالية قد تدخل على الخط لتصعيد التوتر دبلوماسيًا.
  11. مع كل الأنظار المتجهة لمعركة أوكرانيا - الصين تبدأ في غزو تايوان.
  12. أمريكا تبدأ تحريك أسطولها البحري بالقرب من الصين لمساعدة تايوان.
  13. كوريا الشمالية تعلن التعبئة العامة لدعم موقف الصين.
  14. معركة الصين وتايوان سهلة لكن طويلة وأمريكا تفرض حصارًا حول الصين.
  15. أوروبا وأمريكا تفرضان عقوبات شديدة القسوة ضد الصين وروسيا ولكن قدرة الدولتين على امتصاص الصدمة لا تزال قائمة في حالة تدخل الناتو وأمريكا عسكريا بحزم وقوة سواء ضد روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية، وسنكون أمام حرب عالمية جديدة تبدأ بصراع عسكري تقليدي قد يتطور في أوروبا والصين لقصف نووي تكتيكي متبادل.

هنا ننبه إلى أننا سنشهد استخداما عالميا جديدا لـ"جماعات الإرهابيين" الذين سيحاربون بالوكالة كما جرى ولا يزال في الشرق الأوسط في زمن ما سمي بالربيع العربي، هو عينه ما سيجري مستقبلا في أوكرانيا وروسيا والصين إذا ما تمكن الروس من إخضاع أوكرانيا عسكريا بالكامل وربما سيتدحرج هذا الإرهاب المسلح (والذي سيكون للدواعش المسلمين نصيبا منه بدعوى الجهاد ضد الروس الغزاة كما فعلوا في الثمانينات في أفغانستان!!) مع دواعش أوروبا ونازيي الغرب والمتطرفين من جماعات يهودية ومسيحية، ليشكلوا معا ظواهر جديدة للصراع تستخدمها دول وأجهزة مخابرات عالمية، ليعملوا كما هي عادتهم وعقيدتهم التاريخية كإرهابين بالوكالة وعملاء بالأجر.

والله أعلم.