القيادة من الخلف

 

فوزي عمار **

 

عندما خرجت مارجريت تاتشر من رئاسة وزراء بريطانيا والحزب الحاكم وهي التي صنعت مجدًا سياسيًا ونحتت مصطلح "التاتشرية" في القاموس السياسي صرحت بتصريح وجدته غريبًا حين قالت: "سوف أقود حزب المحافظين من الخلف".

القيادة من الخلف هو ما تبنته إدارة الديمقراطيين في أمريكا منذ الرئيس الأسبق باراك أوباما، وخاصة في مشروع الربيع العربي؛ ففي بلدي ليبيا- مثلًا- من قاد التدخل الأجنبي كانت فرنسا وليس أمريكا!

اليوم وأنا استمع إلى الأخبار عبر "CNN" جاء خبر استكمال انسحاب نصف القوات الأمريكية من أفغانستان. ماذا يعني هذا؟ هل يعني تخلي أمريكا عن أفغانستان؟ وهي التي خاضت حربًا شعواء فيها ضد الاتحاد السوفيتي، وجندت لها حلفاءها وخاصة الأفغان العرب من الشباب الذين زينوا لهم شيوخ الإسلام السياسي، وشيوخ الدفع المسبق أنها حرب ضد الشيوعية الكافرة!! ليتكتشفوا بعد انتهاء الحرب خذلان أمريكا، فوجهوا بنادقهم لها في تفجيرات نيروبي ودار السلام، والخبر بالسعودية وبرجي التجارة في أمريكا (أحداث 11 سبتمبر).

الانسحاب الأمريكي الذي تبنته إدارة الديمقراطيين في عهد الرئيس الحالي جو بايدن هو- من وجهة نظري- استراتيجية القيادة من الخلف، والتي لها ميزات عديدة؛ فهي آمنة ولا تتسبب في مقتل الجنود الأمريكان؛ بل يموت جنود وشباب الشعوب الأخرى الأقل أهمية بالوكالة!

لذلك جاء مشروع الربيع العربي لمحاربة الإرهاب سياسيًا، بدلًا من محاربته عسكريًا، والذي فشل في إدخال المسلحين للعملية السياسية، وتولي فريق الأخوان القيادة تحت شعار: "المسلم المُطيع يطرد المسلم الشرير".

القيادة من الخلف تقوم على استراتيجية إدارة الصراع منخفض الحدة "Low Intensity Conflict"، مثل ما يجري في إيران واليمن؛ لابتزاز مناطق ودول المنطقة وإدارة الصراع بدلا من حله.

تقوم فكرة القيادة من الخلف على أن تُعطي دور القيادة من الأمام لدول إقليمية، وهذا ما فهمه ولعب عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ظن أنه أصبح "قوة عظمى" فيما كان اقتصاده متهالكًا لا يستحمل اقتصاد الحرب، مما أثر سلبًا على تهاوي الليرة التركية لاحقًا.

القيادة من الخلف أعطت لمصر دورًا مهما في حل مشكلة غزة، واتصل الرئيس بايدن بالرئيس عبدالفتاح السيسي أثناء العدوان على غزة ثلات مرات في أسبوع واحد!!

السؤال المهم.. كيف ستنعكس استراتيجية القيادة من الخلف على الملف الليبي؟ هذا ما يمكن مناقشته في مقام آخر، ومقال قادم.. قريبًا.

** كاتب ليبي