مدرين المكتومية
تسبَّبتْ الأرقام المرتفعة التي سجَّلتها السلطنة في حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد، المسبِّب لمرض "كوفيد 19"، خلال الأيام الأخيرة، في صدمة لمجتمعنا؛ حيث تجاوزتْ الأرقام الألف إصابة في اليوم الواحد، وقد شهدنا بالأمس تسجيل أعلى عدد إصابات منذ بدء التفشي، مع 1404 حالات، وكان نصيب غير العُمانيين منها الأكبر؛ إذ بلغ عدد المصابين غير العُمانيين 1004 حالات؛ الأمر الذي يدفعنا إلى التفكير في آليات ناجعة تُسهم في الحد من هذه الإصابات المرتفعة.
هذه الحالات ليست بالعدد الهيِّن أو البسيط؛ كونها تضغط وتسبِّب ثِقلا على القطاع الصحي الذي يجب أن يكون جُل تركيزه على المواطنين، ولكن ولأسباب تراكمت على مدى سنوات، ندفع ثمنَ هذه الأخطاء، وعلى رأسها تكدس أعداد كبيرة من العمالة الوافدة التي تعيش في ظروف غير صحيَّة؛ نتيجة عدم اكتراث الشركات وأصحاب الأعمال بتوفير بيئة سكنية صحية مناسبة لهم؛ وبالتالي فإنَّ الضغط على القطاع الصحي بات كبيرا للغاية.
وإذا ما طال الأمر، سنجد أنفسنا أمام مأزق كبير، غير قادرين على الخلاص منه، وسينشأ خلل في القطاع الصحي، ولن يستطيع هذا القطاع استيعاب الحالات المصابة بالفيروس، أو حتى بأي مرض آخر، عندما تلجأ للمؤسسات الصحية بسبب الضغط الهائل على الخدمات الصحية.
والضَّغط على الخدمات الصحية ليس هو المعضل الأكبر، بل أيضا الخسائر الاقتصادية؛ فأصحاب المؤسسات يعيشون تحت وطأة ضغط نفسي هائل؛ إذ كل يوم يمرُّ عليهم يشاهدون فيه انهيار ما ظلوا طوال سنوات يشيدونه، لأمر مؤلم.
الأمن الاجتماعي هو الآخر يُواجه تحدِّيات خطيرة؛ فالعاملون الوافدون الذين أُنهِيت خدماتهم في القطاع الخاص جرَّاء الأزمة، وعدم قدرة المؤسسات على دفع الرواتب لهم، يُواجهون ضُغوطًا عنيفة عليهم، بسبب عدم استطاعتهم دفع تكلفة المعيشة؛ سواء من إيجارات أو مأكل ومشرب، وكم شاهدنا وتعرفَّنا على حالات تقدمت لطلب مساعدات من الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، التي قامت بدورها الأصيل خلال هذه الأزمة. فالآلاف من العمَّال الوافدين، خاصة في المهن البسيطة، لم يعُد بإمكانهم تحمل نفقات المعيشة في السلطنة، ولا سبيل لهم سوى العودة لأوطانهم، لكن هذا أمر صعب الآن، بسبب استمرار غلق المطارات وتوقُّف حركة الطيران، حتى إنَّ الرحلات الاستثنائية التي تنظمها بعض شركات الطيران لا يستطيعون تحمل تكلفتها، في ظل الارتفاع المبالغ فيه بأسعار التذاكر، حتى إنها وصلت لنسبة 400% فقط لتذكرة العودة. وللأسف، كل ما نخشاه أن يلجأ البعض ونتيجة للضغوط المالية، إلى القيام بأنشطة تضرُّ بالأمن الاجتماعي، مثل التسوُّل في الشوارع، وطرق أبواب المنازل طلبًا للمأكل... وغيرها من الأفعال التي قد يعذرهم البعض فيها، إلا أنها تهدِّد الأمن الاجتماعي، وأسوأ ما في هذه الأفعال أن يلجأ أحدهم إلى السرقة، أو ممارسة الأعمال المخالفة. علينا جميعا أنْ نَشعُر بحجم المأساة التي حلت على هؤلاء العمال البسطاء؛ ففجأة لم يَعُد بإمكانهم الحصول على احتياجاتهم الأساسية، والمؤسسات التي كانوا يعملون لحسابها إما أفلست أو أغلقت حتى إشعار آخر.
... إنَّ الحاجة ماسة للغاية لفتح حركة الطيران، وبشكل عاجل، خاصة وأنَّ معظم دول العالم، وحتى دول المنطقة، بدأت إجراءات فتح المطارات، وطالما سنطبِّق الإجراءات الاحترازية، فما الذي يمنع من استئناف الحركة الجوية، على الأقل كي تتمكَّن هذه العمالة الوافدة من العودة إلى أوطانها، وهناك الكثير جدا منهم يرغبون حقا في العودة لبلدانهم. ونأمل من الجهات المعنية أنْ تتسامح مع المخالفين، وتكون فُرصة حتى يغادر المخالفون السلطنة. ومن المهم جدًّا أن يتم فتح الباب سريعا للعاملين الوافدين من بنجلاديش والهند وباكستان تحديدًا، باعتبارهم الأكبر عددا في السلطنة، كي يتمكَّنوا من العودة لأوطانهم؛ فوجودهم هنا خسارة لجميع الأطراف، لهم نظرا لتكلفة معيشتهم التي لا يتحملها الكثير منهم، وأيضا ضغطا كبيرا على أنظمتنا الصحية والاجتماعية.
فهل سيتم فتح المطارات قريبا جدًّا، أم تظل الأزمة تراوح مكانها دون حل؟!