أوهام حفلات الزار الوطنية

 

غسان  الشهابي **

** كاتب بحريني

 

مع تخطي البشرية الشهر الرابع لجائحة كورونا، العدو الخفي الذي نحاربه ونتقيه ولا يزال يضربنا يمنة ويسرة؛ فإنه من المستغرب أن يخرج علينا أناس لا يزالون يؤمنون بالعنتريات والكلام البعيد كل البعد عن كل ما له علاقة بالقرن الحادي والعشرين.

فلقد رأينا فيديوهات يظهر فيها أناس على مستويات علمية متعددة، ومنهم من يحملون الشهادات العليا لينشروا أوهاماً بين الناس بأنّ "شعبنا" لا يقدر عليه الفيروس، وهو الشعب الذي فعل كذا وكذا، أو هو الشعب الذي تخطى المحنة الفلانية، واستطاع النجاة من الأمراض السابقة، أو الشعب الذي يأكل الأكلات المقاومة للأمراض والرافعة للمناعة، وبالتالي فإنّه أبعد ما يكون عن الإصابة بأي نوع من الأمراض، لأن "تاريخه" يقول بأنه لم يُفنهِ مرض أو وباء، ولم تؤثر فيه جائحة، ولا ناحت منه نائحة!

إنّ تسويق هذا الوهم الرخيص، والبعيد عن العلم والطب والبحوث وحتى أبجديات الإيمان بالقدر، لا يذكرني إلا بالتاريخ نفسه وعلى حقب متباعدة حيث ألقت قيادات متعددة مجتمعاتها في التهلكة، وهذه القيادات سياسية كانت، أو روحية، أو عسكرية، حيث باعت الأوهام على أهلها لأنها ما كانت تستطيع شراء الحلول الواقعية الناجعة منها.

فيقال إنّ في بعض معارك الهنود الحمر مع المستعمرين "البيض" دهن سحرة بعض القبائل أجسام المحاربين بزيوت مباركة بالقراءات والشعوذات، وقالوا إنها ستقيهم من الرصاص، فخرّ المحاربون المساكين صرعى تحت وابل الرصاص جراء تصديقهم المشعوذين. وألبست قيادات شبابها مفاتيح الجنة قبل حوالي ثلاثين عاماً وألقت بهم في أتون المعارك العبثية ولم يخطّ شارب أكثرهم، بلا تدريب ولا تأهيل لخوض المعارك، لا بأمل الفوز في هذه المعارك وإنما أملاً في الشهادة. ودفعت الحركات المتطرفة في السنوات الأخيرة جملة من الشباب للقيام بأعمال تفجيرية في الأسواق ودور العبادة والمؤسسات وغيرها، على أمل تأسيس الدولة المأمولة من قبلهم.

يتبين في نهاية المطاف أنّ الأوهام والإيهام لا ينتصران، ولا يخلفان إلا نوعين من البشر: مصابون بالأمراض والعاهات والشظايا ومرشحون للموت، أو مصابون بلوثة عقلية بأنّهم أعظم شعوب الأرض وأجدرها بالعيش على الرغم من أن الواقع يكذب هذا الادّعاء وينفيه. وأنهم محصنون تلقائياً، مصفّحون بالتاريخ، مدججون بالمأثورات الشعبية، ولو بحثت في المغازي العميقة من ترويج هذه المقولات فلن تجد – في الغالب – أنّ هناك مستفيداً من هذه البضاعة، ولكنه العجز عن إيجاد حلول ناجعة، وهذا أمر يجري في أكثر من بلد عربي للأسف الشديد.

في هذه الظروف يجدر بنا أن نفرق ما بين الفخر الوطني "الطبيعي"، والمبالغات التي عملت لسنوات طوال على تناول جرعات يومية من أوهام المغايرة والتميز والتفرد، بما أدى على تخدير العقل وتعطيله، وإدخال الأفراد، ولا سيما البسطاء منهم، في حفلات زار متّصلة تغيّب التفكير السليم وتجعله أسير المقترحات الساذجة التي تودي به في مهاوي الردى... لا سمح الله.