افتعال الأزمات.. "كورونا" نموذجًا

 

مدرين المكتومية

افتعال الأزمات نهج يُمارسه أصحاب الأفكار الشريرة والنوايا الخبيثة، ويسعون من خلاله إلى اختلاق مُشكلةٍ ما أو تفجير أزمة بعينها، تتسبب بدورها في تحقيق مصالح تصب في صالحه، ولنا في فيروس كورونا المستجد أو "كوفيد 2019" نموذج صارخ. فمن البديهي أنَّ تنتقل الأمراض المُعدية بين البشر بسبب الفيروسات وهي كائنات لا تُرى بالعين المجردة وتتطور، وأحيانا تقاوم المضادات الحيوية واللقاحات وغيرها، ومن ثمَّ فإنَّ خطر انتقالها مرتفع للغاية، وخاصة الفيروسات المُسببة لأمراض الجهاز التنفسي.

وخلال الفترة الأخيرة، ظهر في الصين وتحديدًا في إقليم ووهان بوسط البلاد، فيروس "كورونا" وتسبب في وفاة 2592 شخصًا داخل الصين وإصابة 77150 حالة، تماثل للشفاء 24734 شخصا، وهذا يعني أنَّ قرابة نصف المصابين يتماثلون للشفاء، وأن نسبة الوفيات ربما لا تصل إلى 4% على أسوأ تقدير. ولذلك أجدُ أنه من المُثير للدهشة أن تنتاب حالة من الذعر غير المبرر قطاعات عريضة من المجتمع وأيضا في دول العالم، فالواضح حتى الآن أن الفيروس لم يتحول إلى وباء أو جائحة حسب تصنيفات منظمة الصحة العالمية، وأن جهود السيطرة عليه مُتواصلة في ظل التكاتف العالمي لمحاصرته. فنجد أن الصين اتخذت إجراءات صارمة لمنع انتشاره، ويعكف العلماء والباحثون على إنتاج لقاح لهذا الفيروس.

ومما يُؤكد حالة الذعر غير المُبرر، أننا في عُمان عندما أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل حالتين ثم ارتفعت الإحصائية إلى 4 حالات حتى مساء أمس الثلاثاء، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي من يُثير الهلع والذعر بين المواطنين والمُقيمين، كما إن بعض المؤسسات اتخذت إجراءات غير مفهومة، مثل إلغاء فعاليات أو تأجيل رحلات مدرسية، وكأننا في عُمان صرنا بؤرة انتشار الفيروس، وهذا غير صحيح على الإطلاق، وكل ما يحدث ليس سوى تهويل غير مُبرر بل ويتعارض مع الدور الوطني الذي يجب أن نقوم به، من خلال العمل على بث الطمأنينة ونشر الشعور بالاطمئنان.

وهنا لا أدعو إلى تهوين المسألة، ولكن النظر إليها وفق حجمها الطبيعي، وأفضل طريقة هنا أن نرفع شعار "الوقاية خير من العلاج"، فعلينا أن نقي أنفسنا بالإجراءات المتبعة للحفاظ على الصحة العامة، مثل غسل اليدين بالماء والصابون بشكل جيد (15 ثانية على الأقل في كل مرة)، وتفادي الجلوس في أماكن مغلقة دون تهوية جيدة، واستخدام المحارم الورقية عند العطس أو السعال، فضلاً عن استخدام معقم اليدين الكحولي، وهذا متاح في جميع الصيدليات والمحلات.

ولا ينبغي أن تتوقف حياتنا تمامًا لمجرد أن هناك 4 حالات، خاصة إذا ما علمنا أنَّ جميع الحالات المسجلة أو حتى المشتبه فيها، يتم عزلها ووضعها في الحجر الصحي، وحسبما علمنا من مصادر مطلعة، أنه يجري في أماكن راقية ويتم معاملة المصابين أو حتى المشتبه بهم بإنسانية ولطف.

وهو ما أكدته وزارة الصحة وجميع المسؤولين فيها، والذين لم يألوا جهدا في توعية الناس منذ ظهور المرض في الصين. والحق أنَّ اللقاء التلفزيوني الذي حلَّ معالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحة ضيفاً عليه، أضاء لنا الكثير من الجوانب حول الفيروس وطبيعته، وكان للنصائح التي أسداها معاليه للمشاهدين الدور الأبرز في الجانب التوعوي، ولذا أدعو كل من لم يشاهد لقاء معاليه على تلفزيون السلطنة، أن يبحث عن تلك الحلقة التي تحدث فيها معاليه عن الفيروس وأنه ينبغي علينا عدم التهويل، حماية لأنفسنا ووطننا. فالمرحلة الحالية من عمر وطننا، تتطلب تضافر الجهود في شتى المجالات، خاصة وأن أمامنا الكثير من العمل الذي يجب أن يتوافق مع الخُطط الطموحة التي أعلن عنها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وأن يكون الشعب خير داعم لجلالته، من خلال رفع الروح المعنوية لكل مواطن والعمل على تجنيب بلادنا القلاقل والخوف غير المبرر من فيروس كورونا، خاصة وأن وزارة الصحة تقوم بدورها على أكمل وجه، سواء من حيث الجانب التوعوي أو اتباع نهج الشفافية والإعلان بصراحة أولاً بأول عن أي حالة مصابة.

إنني في هذه السطور لا أُقلل من خطر الفيروس وتأثيراته، لاسيما الاقتصادية منها، لكن أرجو من الجميع عدم التهويل وإبداء الثقة في قدرة مؤسساتنا الصحية وكوادرنا الوطنية الماهرة على إدارة الأزمة باحترافية وكفاءة.

وأخيرًا.. لا يجب علينا ونحن في مرحلة البناء، أن نزيد من التحديات في وقت تسعى فيه حكومتنا الرشيدة نحو مواصلة مسيرة النهضة المباركة، وعلى كل عُماني وعُمانية أن يتوخى الحذر في شتى شؤون حياته، وأن يحرص على عدم اتباع الشائعات وأن يحصل على معلوماته من مصادرها الرسمية الموثوقة... حفظ الله عُمان وقائدها المفدى وشعبها الكريم، إنِّه ولي ذلك والقادر عليه.