سوريا الضائعة والمضيَّعة

◄ كادت الأمور تتطور إلى مواجهات كبرى ومفتوحة بين الطرفين والفضاء سيكون سورياً

 

غسان الشهابي

 

لم يكن من المستغرب ما انتهى إليه الاجتماع الطارئ الذي التأم على طاولته وزراء الخارجية العرب في بيت العرب لمناقشة دكّ دولة أجنبية لواحدة من دول العرب. إذ سيكون مستغرباً جداً، لو انتهى الاجتماع بإجماع على كلمة تناسب الموقف من حيث فداحته، ليس على مستوى الأرواح التي سقطت، فهي تعتبر قليلة جداً، بل ومحتشمة في اجتياح كهذا، ولكن في فكرة الانتهاك نفسها مع فرجة العالم عليها وكأنّه ملّ وتعب من هذا الشرق الأوسط الذي لا يريد أن يعقل ويهدأ ويترك العالم المتحضر يتفرغ أكثر وأكثر للتفوق والتقدم.

المستغرب حقاً رد الفعل الشديد على تدخل تركيا، التي يركبها الخطأ وتجللها الخطيئة من رأسها إلى أساسها في ما فعلته، وسوريا مسرح لعدد من القوى الدولية التي استدعتها السلطات السورية إليها بدعوى مساعدتها على التخلص من الإرهاب، وهناك من القوى من دعت نفسها للمشاركة في الوليمة ودفع السكاكين عميقاً في الجسد السوري لتتأكد ما إذا حزّ العظم أم لا.

المستغرب أن تأتي هذه الاحتجاجات وأجواء سوريا كانت مسرحاً منذ سنوات للمنافسات بين تركيا وروسيا، بل وتواجه الطرفان، على الأجواء السورية، وكادت الأمور تتطور إلى مواجهات كبرى ومفتوحة بين الطرفين والفضاء سيكون سورياً.

المستغرب حقاً أن يتنادى العرب إلى اجتماع طارئ في شأن تفصيلي من هذه الحرب المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات وهم طيلة هذه الفترة يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى في شأن إنهاء الحالة العبثية بعد أن دخل كل زناة التاريخ إلى حجرتها وهم وقفوا في الخارج يدخنون السيجار الكوبي في انتظار أن تنتهي حفلة الانتهاك والاغتصاب، حتى يغسلوا الضحية بما لا يمكن تطهيره.

التاريخ يعيد نفسه، ربما ليس بالكيفية ذاتها، وغالباً ما لا يعيد نفسه بالأسماء ذاتها، ولكن ما حدث في سوريا يذكر بما آلت إليه "حرب الأفيون" (1840 -1860)؛ حيث كانت الحرب بين بريطانيا والصين، ولكن ما إن تداعت هذه الأخيرة حتى دخلت للنهب دول أخرى مثل الولايات المتحدة وهولندا وفرنسا وبلجيكا ودول لم يذكرها التاريخ من ضمن الطامعين، ولكن من يقاوم الأبواب إذا فتحت عن مغانم كثيرة قد تلوح في الأفق؟ والتكالب على سوريا متعدد بعد أن تسبب داخلها السياسي المهترئ والمكابر على إعوجاجه وخطاياه في فتح شهية الكواسر خارجها، فكيف ستقنع المتمركز اليوم في أرض جديدة أن يكتفي بعبارات الشكر الجزيل ليترك موقعه ويرحل؟!