الكلمة المنشورة مسؤولية كبيرة

 

د. آسية البوعلي

الكتابة بما تتضمنه من نص مُدوّن مسؤولية كبيرة، لا سيما وأنّ الأخير يبقى حتى بعد رحيل صاحبه.

باستثناء حالات الاقتباس المباشر (أي الأخذ نصًا)؛ نجد في الأبحاث الأكاديمية إعادة الصياغة أو التلخيص لفكرة أو لنص ما أمورًا مشروعة لكنّها تتطبق بحذر شديد، وتكون شريطة الحفاظ على معنى وفكرة وموضوع النص الأول الأصلي. لذلك في هوامش الأبحاث الأكاديمية نجد كلمات على شاكلة "بتصرف، أنظر، راجع" التي أهميتها لا تكمن في أنها تعني أنّ المدون في النص الثاني ليس بلغة الكاتب الأصلي فحسب، بل تنبه القارئ إلى احتمالية (وأشدد على الأخيرة إذ يفضل عدم وقوعها) وجود حذف أو إضافة أو تغيير في معنى النص الأول. وإذا ما وقع أي منها الذي يتحمل مسؤولية هذا الوقوع صاحب النص الثاني لا النص الأول. وعلى مَنْ يريد الوقوف بدقة أو التأكد مما ورد في النص الأصلي عليه الرجوع إليه.

إشكالية التلخيص أو إعادة الصياغة لنص ما، تكون مع الكتابات الأخرى التي تأخذ شكل المقالات الإلكترونية أو الورقية والتي عادة حين تتدون لا تكون بعيدة عن مقاصد واهتمامات أصحابها.

مؤخرًا كتب الإعلامي نصر البوسعيدي مقالاً إلكترونيًا في الشبيبة في (30 يناير 2019م) بعنوان "العُمانية التي عصفت بها الظروف.. من القصر السلطاني إلى قادة الانقلاب التنجانيقي" مشيرًا في هامش مقاله إلى أنّ مصدر مقاله هو كتابي المعنون "ذكريات من الماضي الجميل" طبعة أولى مايو 2015م. نصر البوسعيدي في مقاله لخّص وبلغته الخاصة ما رآه من (وجهة نظره) أهم ما ورد في كتابي والذي تضمن حوارات مطولة أجريتها مع الراحلة فاطمة جينجا (1930- 2017) رحمة الله عليها. لن أخوض تفصيلاً في هذه الحوارات إذ ليست هي الهدف من مقالي هذا، إضافة إلى أنّ مَنْ يريد الرجوع إليها فالكتاب متوفر باللغتين: العربية والإنجليزية.

نصر البوسعيدي من جانب، كان أمينًا (نسبيًا) في رصده لكتابي كمرجع لمقاله، إلا أنّه في جانب آخر لم يكن واعيًا بضرورة الإيضاح للقارئ إلى أن ليس كل ما ورد في مقاله مصدره كتابي، بل كان من بنات أفكاره، بدءًا من العنوان الذي لم يرد في كتابي لا لفظًا ولا مضمونًا، والذي في تقديري كان متسقًا مع مقاصد وميول نصر البوسعيدي الإعلامية. في الحقيقة، نصر البوسعيدي كان من الشجاعة بأن أقرّ وعلى الهواء مباشرة في المقابلة الإذاعية التي أجرها معي في برنامج "عمان عبر الزمان" بتاريخ 14 مارس 2019م، بأنّ بالفعل ليس كل ما أتى في مقاله كان مصدره كتابي.

مقال نصر البوسعيدي ترجم إلى اللغة الإنجليزية ولمقاصد إعلامية أيَضًا تم تغيير عنوان المقال في معناه ليصبح الخروج من قِبَل العُمانية ليس خروجًا أجبرته عصف الظروف كما أتى به البوسعيدي، بل اختيارًا حرًا !! " The Omani woman who went from the Royal Palace to Tanganyika's coup leaders " (Times of Oman 20thFebruary 2019 )

أي؛ "العُمانية التي خرجت من القصر السلطاني إلى قادة الانقلاب التنجانيقي"

حين ناقشت نصرًا في هذه الترجمة عرفت أنّ مستوى لغته الإنجليزية لم يسمح بتقييم ترجمة مقاله لا في عنوانه ولا في متنه. في الحقيقة، حين قرأت ترجمة المقال تعجبتُ جدًا من استسهال المترجم وتسرعه، فرغم عمله بالإعلام ورغم ذيوع صيت الكتاب بلغتيه: العربية والإنجليزية في كافة وسائل الإعلام حين تدشينه إذ دُشن تحت رعاية معالي وزير الإعلام، فإنّ المترجم لم يكلف ذاته حتى بالبحث عن النسخة الإنجليزية للكتاب، ومن ثم فإنّه لم يكن دقيقًا في ترجمة المقال فحسب، بل أخطأ حتى في تدوين اسمي بالإنجليزية واسم الكتاب كمرجع! علمًا بأنّ المترجم لو اطلع على النسخة الإنجليزية للكتاب لسهلتْ عليه عملية الترجمة.

ونتيجة لقراءة المقال باللغتين، كم من المكالمات انهالت عليَّ، تستفسر: هل ما ورد في هذا المقال من معلومات إضافية كانت موجودة بالفعل معي؟ وهل حذفتُها من الكتاب عمدًا؟ طبعًا الإجابة من قِبَلي كانت بالنفي، وأنني كنت من الأمانة بأن دونتُ، فقط، ما تفوّهت به الراحلة فاطمة جينجا ولإعطاء الكتاب مصداقيته دونت الحوارات كما وردت بيني وبينها دون تدخل مني، وأية معلومة تأتي خارج نطاق كتابي أنا لست مسؤولة عنها. هذا مع الوضع في الاعتبار أن فاطمة جينجا (رحمة الله عليها) رحلت عن عالمنا في مايو 2017م، والكتاب صدر في مايو 2015م أي؛ صدر أثناء حياتها وبموافقتها كما أنها قرأته قبل رحيلها، وأهدتْ نسخًا منه إلى معارفها وأصدقائها.

خلاصة ما أريد الوصول إليه هو أنّ الاعتماد على أي كتاب كمرجع للمعلومة أمر مشروع في الكتابات، شريطة التفرقة بين ما أتى به الكاتب وبين المدون في المصدر، فضلاً عن ضرورة التريّث والأخذ بالحذر الشديد في النشر لأنّ الكلمة المنطوقة أو المنشورة إعلاميًا مسؤولية كبيرة، تترتب عليها عواقب قانونية (ومش كل مرة تسلم الجرة).

الموقعان الإلكترونيان للمقالين هما:

( https://www.shabiba.com/article/225636/ )

(https://timesofoman.com/article/867670/)

الأكثر قراءة