مريم.. "الشعلة"

د. آسية البوعلي

مريم بنت أحمد بن عاطي بلحاف، من الشخصيات التي حين تقابلها لا تمر عليك مرور الكرام، أوَّل مرة قابلت فيها مريم كانت في يونيو 2005م بالولايات المتحدة الأمريكية، أثناء مشاركة وزارة التراث والثقافة (وزارة الثقافة والرياضة والشباب حاليًا) بمهرجان سميث سونيان للفلكلور بواشنطن.

IMG-20230617-WA0046.jpg

د. آسية البوعلي مع مريم بلحاف

وأول ما لفت انتباهي في هذه الشخصية النباهة والذكاء؛ إذ حين تحاورت مع مريم عندئذ عرفت أنها من صلالة، وأنها تزوجت بعد أن أكملت الثامنة عشرة من عمرها، شأنها شأن الكثيرات من بنات جيلها. وعرفتُ أن لها سابق معرفة بعمي البروفيسور الراحل طبيب الأطفال مسلم البوعلي (رحمه الله). فقلت لمريم: أنتِ شخصية باهرة وسيكون لك مستقبل عظيم. حينئذ ردت مريم بابتسامتها الساحرة وقالت لي: "عمك البروفيسور البوعلي كان دومًا يقول لي هذا".

ولكوني أهتمُ جدًا بكافة المفردات الفولكلورية والتي هي جزء من مجال تخصصي الأكاديمي، تعمقتْ الحوارات بيني وبين مريم لا سيما في ما يتعلق باللبان العُماني (الظفاري)؛ فمريم حين تتحدث عن اللبان الظفاري تكون أمام موسوعة حقًا، وهذه الموسوعة لا تكتفي بنقل المعلومات النظرية عن شجرة اللبان من حيث أماكنها أو من حيث مراحل نمو اللبان أو حتى كيفية كشط اللبان والآلة المستخدمة، لكن تجعلك تتخيل كل شيء في حديثها وكأنك أمام مشهد سينمائي، والتخيل لن يتكون في ذهن الآخر، ما لم تكن الكلمات المسموعة موحية ومعبرة وصادقة ودقيقة وواصفة ذلك الوصف النابع من القلب وبحب عميق.

حين تلقيت دعوة يوم السبت الموافق 17 يونيو؛ لحضور افتتاح محل عطور "الشعلة" لمريم بلحاف، والذي كان تحت رعاية صاحبة السُّمو السيدة حُجيجة بنت جيفر آل سعيد، وبحضور لفيف كبير ومتنوع من الضيوف، ذكرتني مريم بوصفها حاليًا رائدة من رائدات الأعمال بموهبتها في الذكاء الاجتماعي، فمريم ليس لها القدرة فحسب على تكوين شبكة من العلاقات الجامعة لمختلف المجالات، لكنها تمتلك المهارة الفنية في أن تُشعر كل ضيف من ضيوفها بأنه الضيف الوحيد والأوحد في ذلك اللفيف.

في ذلك الافتتاح، استرجعتُ بذاكرتي يوم أن فازت مريم بجائزة السلطان قابوس للإجادة الحرفية عام 2010. واسترجعتُ نبرة صوتها المفعمة بالثقة والتواضع على حد سواء، في أحاديثها مع القنوات العالمية مثل "سي إن إن" وبعض القنوات في التليفزيون الإيطالي والألماني والروسي. مريم حين تسمعها وهي تتحدث في هذه القنوات أو حتى في غيرها من القنوات العربية (الخليجية) فأنت أمام صدق منقطع النظير في عشق اللبان الظفاري، الذي تتخذه كعنصر أساسي في ابتكاراتها العطرية.. صِدقٌ حوَّلَ اللبان إلى متاجر باسم "الشعلة" في كل من صلالة ومسقط، ذلك الاسم الذي رسمتْ حروفه بخط يدها، فخرجتْ به من مشروع بسيط لصناعة البخور والعطور بمعمل في منزلها في عام 1998، إلى معمل أكبر بمنطقة ريسوت الصناعية.

ولأن مريم تؤمن بالعمل الجماعي، فقد زرعت حب اللبان في قلوب كل أبنائها ليصبح كل واحد منهم صورة طبق الأصل من الأم في المثابرة والسعي والافتخار والاعتزاز باللبان؛ بوصفه مرآة للهوية العُمانية. وعليه.. فأبناء مريم يؤمنون بما تؤمن به "اليد العاملة مباركة" و"كل ما يأتي من القلب يصل ويلمس قلوب الناس".

وختامًا أقول: كيف لمريم أن لا تصل إلى القلوب، وهي شعلة مبتكرة عُمانية فواحة بمسك اللبان؟!