د. آسية البوعلي
تمهيد على سبيل التوثيق
بدعوة كريمة من المتحف الوطني حضرتُ حفل تدشين كتاب "السلطان علي بن حمود.. من السلطنة إلى المنفى" (*)، لمؤلفه الكاتب البحريني الدكتور عبدالله بن محمد السليطي. وكان ذلك في صباح يوم الأحد الموافق 26 فبراير، تحت رعاية سعادة جمال الموسوي أمين عام المتحف الوطني، وحضر الحفل عدد من أفراد الأسرة المالكة الكريمة، لا سيما المنحدرين من عمود نسب السلطان علي بن حمود، كما حضر سعادة سفير مملكة البحرين لدى سلطنة عُمان، كذلك أعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدون في السلطنة، وعدد من الإعلاميين والباحثين المهتمين بالشأن التاريخي.
افتُتح الحفل بكلمة قدمها الباحث والكاتب ناصر بن عبدالله الريامي، صاحب كتاب "زنجبار.. أحداث وشخصيات 1828- 1972م)، أعقبتها كلمة جناب السيدة مية بنت حمود بن سعيد آل سعيد؛ ابنة حفيد السلطان علي بن حمود والتي ركزت على إبلاغ رسالة إلى الحضور الكريم منقولة عن والدها، مفادها أنَّ السلطان علي بن حمود لم يتنازل عن حكم زنجبار لأسباب صحية؛ بل عُزل. وبعد هذه الكلمة ألقى الدكتور عبدالله السليطي، صاحب الكتاب، محاضرته التي لخّص فيها محتوى الكتاب والمواقف المختلفة التي تعرض لها السلطان في المنفى؛ الأمر الذي حرك وجدان الحضور إلى درجة انهمار الدموع. وفي نهاية هذا التمهيد، أنوه إلى أنَّ للدكتور السليطي مؤَلفًا آخر بعنوان "الخديوي إسماعيل ورحلة المنفى" دُشن في 2021م، بحضور الملك أحمد فؤاد ملك مصر والسودان (سابقًا) وابن الملك فاروق الأول.
عن الكتاب بصفة عامة
الدكتور السليطي في كتابه "السلطان علي بن حمود البوسعيدي.. من السلطنة إلى المنفى" تكلم عن التكوين اللفظي لكلمة "زنجبار"؛ شارحًا السبب وراء تسمية الجزيرة بـ"جزيرة القرنفل"، ثم عرض في عجالة موقع الجزيرة جغرافيًا والطبيعة الخصبة لأرض الجزيرة، وأهم ما يُزرع فيها "فبجانب القرنفل يزرع فيها مُعظم أشجار الفاكهة وجوز الهند"، والفئات المختلفة التي سكنت زنجبار والتي كانت بوتقة من "الأفارقة والإيرانيين والعرب من أصول عُمانية ويمنية، وكذلك آسيويين من الهند وباكستان ومن جزر القمر ومدغشقر والسيشل في المحيط الهندي"، والدين السائد في زنجبار هو الدين الإسلامي؛ حيث تبلغ نسبة المسلمين في زنجبار 98%. كما عرج صاحب الكتاب على الأمم التي حكمت زنجبار من الفرس والعرب والبرتغاليين والإنجليز انتهاءً بدولة اليعاربة ومن بعدها السلاطين العُمانيين الذين تعاقبوا على حكم زنجبار وعددهم اثنا عشر سلطانا بدءًا من: السلطان سعيد بن سلطان (سلطان عُمان وزنجبار) ومرورًا بالسيد ماجد بن سلطان البوسعيدي، وغيره من السلاطين حتى آخرهم السيد جمشيد بن عبدالله بن خليفة، مع ذكر عدد سنوات حكم كل سلطان وأهم إنجازاته وأبرز الأحداث التاريخية التي وقعت في فترة حكمه، مع وصف وجيز لسماته الشخصية. كما أفرد الكتاب وصفًا لأبرز الآثار التاريخية بالجزيرة مثل "بيت العجائب" عارضًا مُفرداته وتاريخ البناء. (الصفحات من 18- 37).
عن السلطان علي بن حمود
ثم انتقل الكاتب إلى الحديث عن السلطان علي بن حمود؛ ثامن سلاطين زنجبار، المولود فيها بتاريخ 7 يونيو 1884م والمتوفى بباريس بتاريخ 18 ديسمبر 1918م. والذي امتدت فترة حكمه من سنة 1902- 1911م. واعتمادًا على ما ورد في الكتاب، نورد تحليلًا لشخصية السلطان علي بن حمود على الصعيد المظهري والسلوكي والفكري والنفسي.
أولًا: علي صعيد المظهر الخارجي: كان السلطان علي بن حمود، على الصعيد الشكلي والمظهري وكما يتضح من صوره في الكتاب كان ذا بشرة شديدة السمرة، تتميز ملامح وجهه بالجدية والحدة، كما كان قصير القامة، ذو بنية جسدية ضعيفة وعليلة، نتيجة لإصابته بـ"صرع خفيف" (ص 69) ولكونه ولي عهد أصبح سلطانًا فيما بعد ومن الطبيعي أن يظهر بمظهر أنيق ومنمق، كما يتضح من الصور. ومن المعروف أنَّ الملامح الجسدية يرثها الإنسان عن والديه، فلماذا لم يذكر الكتاب أي شيء عن والدة السلطان علي بن حمود؟ كما إنني لم أجد ذكرًا لأمه في كتب أخرى، سواء على مستوى الفئة الاجتماعية أو الأصل أو النسب أو حتى الاسم! لم أفهم لماذا تم تجاهل ذكر هذه المرأة في الكتب؟ فلو افترضنا جدلًا ومن واقع دُكنة بشرة السيد علي بن حمود أنَّ والدته كانت أمة أو عبدة أو خادمة في القصر شديدة السواد من أصل إفريقي، لماذا لا يوجد أية وثيقة تشير إليها ؟ رغم أنها أنجبتْ ولي العهد الذي استمات والده السلطان حمود بن محمد بن سعيد راضخًا لشروط قاسية وكثيرة من قِبَل الإدارة البريطانية كي يعتلي ابنه العرش من بعده. إنَّ هذا التجاهل لأم السلطان أراه شائكًا ومثيرًا لتساؤلات كثيرة، علاوة على أنه يتنافى مع ما هو مُثبت تاريخيًا في معظم كتب التاريخ من أن والد السلطان علي؛ السلطان: حمود بن محمد بن سعيد أصدر في عام 1897م مرسومًا سلطانيًا بإلغاء الصفة القانونية للرق في زنجبار (راجع على سبيل المثال لا الحصر. ناصر عبدالله الريامي. زنجبار شخصيات وأحداث 1828- 1972م). وفي تقديري أن المرسوم في حد ذاته يعكس مضامين رفض العبودية لدى السلطان حمود بن محمد. لذا لا أرى سببًا وجيهًا لعدم وجود وثيقة نستدل بها على مَنْ تكون والدة السلطان علي بن حمود؟ والسؤال الأكثر عمقًا، هل- فرضًا- لو كانت والدته ذات بشرة فاتحة اللون لكان هذا التجاهل؟
ثانيًا: على الصعيد السلوكي
نستنتج مما دُوِّن عن السلطان علي بن حمود أنه شخصية أميل في سلوكها إلى الحركة الدائبة من الاستقرار في مكان واحد؛ إذ كان مُحبَا للسفر والتنقل منذ صغره، لا سيما السفر إلى لندن وباريس. شخصية تحب ممارسة بعض الألعاب الرياضية؛ إذ ورد أثناء دراسته في مدرسة هارو العريقة بإنجلترا، أنه كان يمارس رياضة كرة القدم، ولعبة التنس، ولعبة المضرب و"الكريكيت"، كما إنه كان اجتماعيًا في سلوكه، "يتمتع بشعبية كبيرة بين زملائه الطلبة" ولديه "روح الدعابة"، متهورًا بعض الشيء في شبابه؛ إذ ورد عنه أنَّه "كان مغرمًا بقيادة السيارات الرياضية السريعة، وقد قام بعدة تجارب في شوارع لندن وباريس وقد حُررت له مخالفة مرورية حين أمر سائقه الخاص أن يسرع في أحد شوارع لندن". كما كانت شخصية السلطان علي بن حمود ميالة في سلوكها إلى البذخ؛ الأمر الذي يتضح من حبه للتسوق لشراء نوع معين من البضائع مثل المجوهرات والأسلحة والساعات (ص 40- 45). ولعل وثيقة رسالة الرفض من الحكومة البريطانية إلى السلطان علي بن حمود في إمداده بالمال لتسديد ديونه، لدليل على أن الشخصية في سلوكها كانت ميّالة لحياة البذخ، خاصة وأن الذي يُستشف من صيغة الرسالة أن الديون الوارد ذكرها هي ديون شخصية خاصة بالسلطان علي بن حمود ولا علاقة لها بميزانية زنجبار (ص 107).
واتساقًا مع الجانب السلوكي لهذه الشخصية، يُذكر أن السلطان علي بن حمود ونتيجة لنشأته في لندن تأثر بالعادات والتقاليد الأوروبية، وعليه كان ميالًا في سلوكه لتقاليد الأوربيين ومحبوبًا من قِبَل الأجانب والأوروبيين (ص41).
ثالثًا: على الصعيد الفكري
من الطبيعي من سلطان تعلم في طفولته بإنجلترا وعاش شبابه متنقلًا بين لندن وباريس مُلمًا باللغة الإنجليزية والفرنسية نسبيًا، فضلًا عن تمثيله لوالده في بعض المحافل السياسية، وتدربه لدى مكاتب المختصين من الوزراء فيما يتعلق بإدارة بلاده قبل توليه الحكم، من الطبيعي جدًا أن يتسم فكر هذه الشخصية بسعة الأفق وبالثراء الثقافي، حاويًا الثقافة الأوروبية والعربية والإسلامية. وعليه، كان السلطان علي بن حمود متنوعًا في اتجاهاته الفكرية، وهو ما يتضح من إنجازات سنوات حكمه؛ إذ كان حريصًا على أن يجعل زنجبار قطعة من أوروبا عصرية ومتطورة، مؤسسة على بنية تحتية سليمة، لذا أنشأ خط سكة حديد، وأصدر العملة الورقية والمعدنية محولًا إياها من البيسة إلى الروبية (ص 10)، كما أمر بتغيير نمط الملابس السلطانية (العمامة السلطانية، والعباءة المصنوعة من الجوخ والصوف) واستبدلها بـ(بالمعطف والسروال والطربوش) أي، بملابس التشريفة الخاصة بالدولة العُثمانية (ص51)، كما أصدر نيشانًا بأربع درجات، مشتقًا من اسمه علي، وأطلق عليه اسم نيشان "العليّة" (ص 54- 55). وهو من جانب كان عاشقًا للموسيقى الغربية عامة وموسيقى الأوبرا خاصة، ومن جانب آخر كان محبًا للموسيقى الشرقية والطرب العربي الأصيل، لذلك شجع مجموعة موسيقى البلاط في عصره على تعلم العزف على آلتيْ العود والقانون (ص 96- 97)، ورغم تعلمه في أوروبا وإجادته للغة الإنجليزية، فإنه أبدى اهتمامًا بإنشاء مدرسة نظامية لتعليم البنين في زنجبار بدلًا من إلحاقهم بالمدارس الإنجليزية ذات المهام التنصيرية والتبشيرية.
رابعًا: على الصعيد النفسي
من المعروف أن الجانب النفسي للإنسان يكون وليدًا للمحيط الذي تربى به؛ سواء أكان هذا المحيط هو النواة الصغيرة (الأسرة) أم النواة الكبيرة (المجتمع بأكمله). ولو نظرنا إلى الخلفيات الاجتماعية التي ترعرع فيها السلطان علي بن حمود، نجد جميعها تعزز الإحساس بالمغايرة والاختلاف (مع الوضع في الاعتبار أننا نتحدث عن 139 سنة مضت) فهو ولي العهد العربي الشرقي الداكن في سمرته الذي كبر وتعلم وسط الجنس الأبيض، ووسط ثقافة غربية مختلفة تمامًا عن ثقافته الأصلية، فمهما بلغت درجة تماهيه وإعجابه بهذه الثقافة، يظل شعور الاختلاف المغاير بداخله. ويعلل صاحب الكتاب الدكتور عبدالله السليطي أن فظاظة السلطان علي بن حمود مع الموظفين الإنجليز كان مردها استنكاره حقيقة خضوع بلاده لسلطة الاستعمار ومعرفته الجيدة بنواياهم وأساليبهم الملتوية إلى درجة قيل: إنه أمر القنصل العام البريطاني في أحد المحافل أن يجثوَ أمامه ليربط له حذاءه (ص 59). قد يكون هذا منطقيًا وصحيحًا من جانب، لكن من جانب آخر لا يُستبعد أن تكون تربيته وسط الإنجليز في ذلك العصر غرست بداخله شعور الكراهية للجنس الأبيض، والذي يعزز ما أذهب إليه مما ذكره المؤلِف ذاته في كتابه من أن شخصية السلطان علي بن حمود بلونها الداكن كانت موضعًا لأكثر من خدعة (ص 102- 105) وبتعبير أدق (نكت) الظرفاء.
لقد ورد في الكتاب أيضًا، أن السلطان حمود بن محمد والد السلطان علي طلب من الوزير الإنجليزي الأول السماح لابنه "بحضور مكتبه لمدة ساعتين يوميًا ليصبح ذا نظرة ثاقبة، ويطلع على تفاصيل الإدارة البريطانية " (ص 43)، وإمعانًا في الوقوف على مفاصل الإدارة الإنجليزية أُرسل السلطان علي بن حمود حين كان وليًا للعهد "في جولة مدتها أربعة أشهر في جنوب إفريقيا لمراقبة عمل المؤسسات البريطانية في مستعمراتها الكبرى" (ص 43). من المؤكد أن الحضور في مكتب الوزير الإنجليزي أو الجولة في جنوب إفريقيا كل هذا عزز من وضوح الرؤية بحقيقة الإنجليز، وعليه عمق الشعور بالكراهية تجاههم. كما لا يُستبعد أن هذا الحضور كشف أمام الابن الصورة الحقيقية لوالده السلطان حمود الذي حكم زنجبار في الفترة من 27 أغسطس 1896- 18 يونيو 1902م. بكل ما فيها من ضعف، وآية ذلك أنه عُرف عن الأخير ميله وطاعته وخضوعه التام للإدارة البريطانية لإيمانه أنه تربع على عرش الحكم بقوة البريطانيين "إذ كان هناك مَنْ هو أولى منه بالعرش" (ص33)، ولا يُستبعد من نتائج هذا الحضور أيضًا معرفة الابن لحقيقة توليه الحكم وموافقة الإنجليز لهذا التنصيب، بناءً على طلب الأب (33). وعليه من الطبيعي وعلى الصعيد النفسي أن يثور الولد على الأوضاع؛ سواء العامة منها (حكم الإنجليز) أو الخاصة (حقيقة والده) لذا حين تولى السلطان علي بن حمود الحكم في عام 1902م وعمره آنذاك ستة عشر عامًا رفض أن يكون "مجرد أداة في أيدي الإنجليز" (ص10) تُستخدم لتأدية مصالحهم السياسية، وتحول إلى شوكة في حلق الإنجليز. بما يوحي بأنَّ شخصية السلطان علي بن حمود في جانبها النفسي، لم تكن تكره الإنجليز فحسب؛ بل كانت شخصية عنيدة. وآية هذا العند، إصراره في عام 1907م، على زيارة السلطان عبد الحميد الثاني في إسطنبول، بوصفه سلطانًا لزنجبار لا بوصفه زائرًا بريطانيًا، ضاربًا بعرض الحائط عدم موافقة بريطانيا، ورفضها لهذه الزيارة (ص 76)، رغم ندمه فيما بعد على هذه الزيارة.
وعلى الصعيد النفسي أيضًا لشخصية السلطان علي بن حمود، يُستشف من زواجه أكثر من خمس مرات (ص99)، أنه كان يفتقد إلى الاستقرار النفسي، وأنه بجانب ما كان يضمره من شعور الكراهية تجاه الإنجليز بصفة عامة، إلا أنه في جانبه الشخصي الخاص محب كريم، يتسم بالرومانسية كما يتبين من جملة "أتمنى أن أكون قادرًا على مواساتك ومساعدتك على نسيان حزنك حين نلتقي" (ص5) تلك المدونة في رسالته التي أرسلها إلى زوجته "سكينة" ذات الأصول السورية، وكما يتضح من صورته الفوتوغرافية المرسلة إليها ومن خاتم الألماس والياقوت؛ أحد هداياه إليها، كما كان أبًا حنونًا مع أولاده مهتمًا بمتابعة سير دراستهم، شغوفًا بتوصيل قبلاته إليهم وبأن يقرأ رسائل تصله منهم، الأمر الذي يتضح من آخر رسالة أرسلها من منفاه بباريس إلى زوجته بمصر، والمؤرخة بتاريخ 18 سبتمبر 1917 م أي قبل وفاته بعام (ص 100).
ورومانسية السلطان علي بن حمود لم تقف عن حد أسرته؛ بل تُستشف أيضًا من زيارته لقبر النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، حين سافر لأداء مناسك الحج في أواخر شهر يناير عام 1903م (ص57)؛ إذ كان من الممكن أن يكتفي بمناسك الحج من منطلق أنها فريضة، لكنه زار قبر المصطفى الحبيب حبًا فيه.
وجهة نظري في الكتاب
في تقديري أن قيمة كتاب "السلطان علي بن حمود البوسعيدي.. من السلطنة إلى المنفى" تتجلي في شقين؛ الأول: جوهري، متمثل في الرحلة الطويلة التي قطعها المؤلف بحثًا عن مفردات موضوعه في زنجبار وعُمان ومصر والبحرين وباريس وإسطنبول، بما يعكس النفس الطويل في التنقيب عن المستندات والوثائق والمعلومات والحقائق والصور في المكتبات والأرشيفات فضلًا عن البحث في المصادر والمراجع المختلفة رغم محدوديتها فيما يتعلق بموضوع الكتاب. والشق الثاني: مظهري، متمثل بما حققه الكتاب من إبهار بصري بطبعته الفاخرة الملونة، وبصفحاته العريضة وصوره البارزة والواضحة والتي وزعت في الكتاب بطريقة احترافية تُغني المتصفح وتوصله للمعنى دون عناء قراءة الكلمة.
الخاتمة
وفي الختام أقول إن الكتاب حقًا يجسّد مأساة تاريخية حقيقية لسيرة سلطان أُجبر على الخروج من موطنه زنجبار، ليواجه سبع سنوات عجاف في منفاه بباريس معانيًا الغربة والوحدة والمرض حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في 15 ديسمبر 1918م، وهو لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره (ص 121- 124). ومن مفارقات القدر أن المأساة التي عاشها السلطان علي بن حمود امتدت معه حتى بعد الموت؛ إذ فارق الحياة وحيدًا في منزله بباريس، وجثمانه حُرم من كرم سرعة الدفن نتيجة للإجراءات الاحترازية المطبقة آنذاك إزاء جثامين مَنْ ماتوا بالأنفلونزا الإسبانية؛ المرض الذي فتك بحياته. وعليه، دُفن السلطان علي بن حمود في 27 ديسمبر؛ أي بعد أسبوعين من تاريخ وفاته، حتى قبره ظل مهجورًا مجهولًا بلا شاهد حتى عام 1932م، أي لمدة أربعة عشر عامًا. رحم الله السلطان علي بن حمود بن محمد البوسعيدي (1884- 1918م).
(*) الكتاب طبعة أولى، 2022م، شركة النفائس مملكة البحرين.