وجوه المحبَّة.. وسُنة الحياة

 

مدرين المكتومية

نمضي في مساراتنا الحياتية المختلفة، وكلُّ واحد منا يمتلك رؤية وموقفا وطريقة تعبير خاصة به، نجُول في الطرقات والحارات، وبين الأزقة المزدحمة، بهُموم الناس قبل أجسادهم، نرى الفرحةَ على مُحيَّا البعض منهم، والحزن على آخرين، ابتسامة هنا وبؤس هناك. لكن هناك الكثير من الوجوه تبتسمُ لا لشيء سوى أنها تؤمن بأنَّ الحياة هي الحياة، تمضي ولن تتوقف إلا بأقدار، فيتغيَّر المسار، وتنفتح أمامهم ممرات وطرق أخرى، في نهايتها تكمُن السعادة.

الملامح مهما كانت سعيدة أو حزينة، لا بد أنَّ لها تأثيرها الخاص على الآخرين؛ فهناك من يحكم على الملامح قبل أن يحكم على الشخص نفسه وطبيعة حياته؛ لذا نجدُ في الملامح الكثير من الأشياء التي نبحث عنها، والتساؤلات التي تحتاج إلى إجابات؛ ففي الملامح يكمُن الشخص نفسه.

هناك من يعيشون بيننا في زحمة الحياة وكأنهم ملائكة يمشُون على الأرض مُطمئنين، أينما تجدهم تكتشف معاني الحياة المفقودة لديك، تجد فيهم الأمل لقادم جميل ورائع، تجدهم برغم كل فوارق الزمن وحواجز الأقدار، يبتسمون رغم إيمانهم بأن ما هم عليه وفيه من مشكلات لن يطول، فكلها اختبارات ستنتهي يوما ما ليصلوا للضفة الأخرى المليئة بكل ما يطمحون لتحقيقه، فكل الأمنيات التي كانت معلقة سيجدونها محققة في تلك الضفة، تحققت بعد صبرهم الطويل وسعيهم الدائم للعمل على إنجازها وتحقيقها؛ فهؤلاء الناس بالتحديد هم من يستحقون السعادة التي تجري خلف تحقيقها كل الوجوه والملامح.

وفي الجانب الآخر من الحياة، هناك وجوه بائسة، بائسة لأنها لا تُؤمن بالحب والتضحية والمشاعر النبيلة، قدرها في الحياة أن تظل مشردة في الطرقات، تمد يدها لمن حولها أملا في طاقة إيجابية لم تتمكن من تحقيقها في داخلها، تلك الوجوه معدمة الأمل، يرفضون دائما أي بصيص من نور الأمل، لا يتحلون بصفات الإنسانية سوى أنهم يعيشون حياة الإنسان ويأكلون ويشربون. ولأنني تعلمت أن لا أحكم على الأشخاص بما هم عليه فقط، فإنني من أعماق قلبي أُشفق عليهم، فهم غير قادرين على تغيير ظروفهم ليحظوا بأقدار تسعدهم، هم استسلموا للأفكار السلبية، وطأطؤا الرأس لها.

لقد خلقنا الله في هذه الدنيا كي نستفيد من بعضنا البعض، فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، إنها دعوة ربانية كي نتعلم من بعضنا، ولكي يحدث ذلك علينا أن نزيل الضغائن من نفوسنا، أن نحب الأخرين ونتعاطف معهم في ملماتهم، أن نتعلم من تجاربهم، أن ننظر إلى الآخرين كي ندرك حجم النعم التي نحن عليها. البائسون ليسوا سوى أناس يرفضون التغيير، يعارضون المشاعر الإنسانية التي تنشد الخير والسلام مع النفس أولا ثم مع الآخرين. ماذا استفاد البائسون من بؤسهم سوى الأمراض النفسية من حسد وحقد وضغينة، وأمراض حسية من ضغط وسكري وأمراض القلب. لكن في المقابل، المبتسمون الإيجابيون يتمتعون بالصحة والعافية، حتى إن ألمَّ بهم مرض أو ألم، شكروا الله وقاوموا وتجاوزا المحنة. قد يقول قائل إنها أقدار الإله ومشيئة الرب، وهذا لا خلاف عليه، لكن الرضا بالقدر والإيمان بالمشيئة هما السبيلان لتخطي العقبات السلبية، والملاذ من ملاحقة الأفكار الشيطانية التي تهدم ولا تبني.

وبعيدا عن الإيجابيين والسلبيين، تدهشني فئة ثالثة لا ينتمون إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، قلوبهم مقفلة لا تعلم ما في داخلها مهما اقتربت منهم، نفوسهم مُنفرة ليس لسبب واضح، وإنما لعلل غير مفهومة، قد يمتلكون النفوذ والمال والسطوة والجاه والكاريزما، لكن متى اقتربت منهم أدركت شيئا مخيفا وعجيبا! لا يمثلون لنا سعادة أو حزنا، يؤرقنا دوما عدم فهمنا لهم، لكن المؤسف أننا مضطرون للتعامل معهم في كثير من مواقف الحياة، ربما في المتجر، ربما في العمل، ربما في أي مكان نلتقيهم فيه لأسباب مجبرين عليها.

غير أن ما يبهج النفس من فئات الناس، أولئك الذين نلتقي بهم مرة أو حتى "نصف مرة"، عن قصد أو بالصدفة، لكن تظل ملامحهم عالقة في الذاكرة، لا تتغير بتغير الأزمنة، ولا تنسينا هموم الحياة بسمتهم ولا روحهم الطيبة الطاهرة، نسعد عندما نلتقيهم بعد سنوات، نشعر وكأن اللقاء الأول كان بالأمس القريب، نرتشف القهوة سويا، فنتذوق حلاوة الصحبة الطيبة، نحتفظ لبعضنا البعض بمشاعر هي خليط من الحب الخجول والصداقة الوفية، سأسميها "صداقة المحبة" التي تمنحنا الأحاسيس الهادئة المفعمة بالسعادة، والتي ترسم البسمة على وجهونا، بسمة صادقة تتدثر بثياب الشوق والإعجاب الشديد. هؤلاء مميزون جدا في حياتنا، ندرك قدرهم في قلوبنا وعقولنا، عندما نلتقيهم بعد غياب، نتبادل النظرات المعبِّرة عن "صداقة المحبة" فتتقتح أزهار الود والحنين لأول مرة التقيناهم فيها، ويتجدد الإحساس بحلاوة اللقاء.

يا أصدقائي الأعزاء، ويا صديقاتي العزيزات، لا تجعلوا الحياة تنال منكم، لأسباب ستمر بكل تأكيد وتمضي، ونبقى نحن، انظروا في ملامح بعضكم البعض، دعوا أنفسكم ترى الجميل والطيب دائما، ارفضوا القبيح والسلبيات، لا تعبسوا فتكفهر وجوهكم، بل افرحوا فترتسم البسمة على محياكم.

الحياة مليئة بالوجوه، فاعلم أي وجه أنت، وأي وجوه تريد أن تقابلها وتمضي معها في سلام أبدي، احرصوا على الاقتراب من الوجوه الإيجابية الصادقة، لا المخادِعة، تمسكوا بهم مهما وقع بينكم، هم الملجأ والملاذ، هم المأوى والحاضنة.. ابتسموا ودعوا الحياة تمر فإنها لن تتوقف!