انتقد رجل الدين لتشتهر!!

 

 

راشد حمد الجنيبي

 

شدني نقاش في إحدى منصات التواصل الاجتماعي، وكان لأحد الشباب ينتقد طرح رجل دين، باسم "مطوّع" واعظ أو تقي أو بأيِّ مسمّى كان، انتقد الشاب (طريقة) طرح الشيخ لإحدى القضايا الاجتماعية وأنّهُ استهتر بالقضية، برّر الشيخ أن المقصد من الطريقة هو إضفاء الواقعية ومواجهة ضيوفه بالأمر الواقع، بل واعتذر للجمهور لسوء الفهم واعتذر للمعنيين من القضية، لم يقبل الشاب تبرير الرجل بل تمادى وقال إنّ اعتذاره غير مقبول! أصل المسألة هنا هو النَّقد، لكن لربما هنا في هذا السيناريو أصبح الانتقاد مموّها ولا يحمل أي سعة أو تواضع.

النقدُ عموماً قد يكون إيجابياً وسبباً في تطوير حياتنا، وقد يكون سلبياً وسببا في التثبيط والخذلان، والإنسان بِطبعِهِ لا يستطيع أن يرى عيوب نفسه، في الواقع على سبيل المثال دقة التحليل في مقياس قائمة الممارسات القيادية (Leadership Practice Inventory) تصل إلى ٩٧ بالمئة لكن عندما يستخدمه المتدربون لانتقاد أنفسهم تقل دقة هذا الاختبار بنسبة ١٤ بالمئة، فالفرد غالباً لا يرى عيوب نفسه، وعليه الاستيعاب أنهُ كلّما ازداد إنتاجاً وإثماراً زاد عليه النقد، هُناك عدة صور للانتقاد، كالنقد البناء لمعالجة نقاط الضعف وتسليط الضوء على سبل تطويرها، وهناك نقد تخصصي لأصحاب المجال أنفسهم ويمتاز بالتفاصيل والدقة، في المقابل تجد نقداً هدّاما هدفه التعطيل فقط لا غير، والغريب أنّ هناك نوعا آخر اسمه نقد الانتقام، والهدف منه تصفية حسابات والتجريح، وغيره كالنقد فقط ليظهر المنتقد قدراته الفكرية و (show of، أو كما نرى كثيراً نقد بعض الصحفيين باندفاعٍ وتشخيص للشهرة فقط، الجدير بالذكر أنّ هناك فرقا بين النصيحة والانتقاد، من أهم الفروق بين النقد والنصيحة، هو أن النقد يُقدّم بغلاف الرسمية عموماً ولا يلزم لها مراعاة الآخر والنصيحة عادة ما تكون من محب مع شغف الكمال للشخص الآخر والقصد منها الألفة، كما لخص المصطفى الدين كله وقال "الدين النصيحة."

"أنامُ ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلقُ جرّاها ويختصِمُ"- المتنبي

الأصل أنّ النقد مقبول لكن هناك حالات معينة يجوز للمرء أن يتجنّب النقد ويترك النقاش فوراً، وذلك عندما يتجاوز الناقد حدود الأدب، فالنقد للرأي أو للفكرة ليس للشخص بذاته، أو عند التحجيم لمقدساتك، والله يقول (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره) النساء-آية ١٤٠، أو إذا اشتحن الناقد بالحقد وبدأ بالتهجم على كرامة الآخر. بينما الاستثمار السليم للنقد ومن أهم نتائجه هو إزالة الهالة عن الأشخاص والحد من تقديسهم وأفكارهم، والإعجاب بالنفس والغرور، وذلك يساهم حقاً بالتوجيه والتطوير، تذكّر أن من الجميل أن تبدأ بالمدح قبل الذم، وعلى المدى البعيد المفهوم الحضاري للانتقاد عند الشعوب يُترجم بالبرلمان، وهو الجهاز العالمي الانتقاد الحكومات وسياساتها، على شكل أعضاء وأحزاب وحكومات ظل.. إلخ.. في المقابل عموما الناقد من حقه أن ينتقد والآخر لا يحق له القول: "إن لم يعجبك الوضع فاترك البلد"، لأن في هذا الوضع الناقد (البرلمان) يُعرَّف بالطريق ويبدأ بالتوجيه أمّا القيادة فعلى الجهاز التنفيذي.

رجوعاً لقصة الشاب والشيخ، صحيح أنِّ من الطبيعي أن تتضارب وجهات النظر بين جيلين، الجيل الحاضر والجيل الماضي، لكن للأسف وكأنّنا اليوم تجتاحنا موجة، وهي أشبه بهبة تقمص دور الحقوقيين والنسويين والمناظرين.. إلخ… من الشباب الصغار خصوصاً، يكثرون من عبارة (باركك الرب)، همُّهم اصطياد الزلّات وإن لم يجدوها اختلقوها، وإن ناقشتهم لن تجد فيهم أبسط سمات التحليل، يحبون فقط النوع الثالث من الانتقاد ونقد الانتقام ليُجَّرّحوا ويبدؤون بالانتقام، حتى يصبح نقداً معتاد ولا يرى أي نقاط قوة في البشر، (مو كل من قرأ حرفين صار مثقّفا!!)

بل تجد بعض الضِعاف من يبحثون فقط على الأخطاء والأمثلة السيِّئة للفريق الآخر ويبدؤون بالتراشق بها. الانتقاد والتحليل رائع بل مِن أهم ركائز التقدّم، لكن الأروع أن تتسم بالتواضع، "جنّبني النصيحة في الجماعة" -الشافعي، فغاية الوصول للحقيقة والوضوح أهم من غاية الإثبات أنك على حق، والعُمق والاتزان والتحليل والتريّث هو أصل بداية أي نقاشٍ أو انتقاد، ولنفسك تذكّر أن الناس ستظل تنتقدك فحتى الله اختلفوا عليه الناس، لكن باختصار.. تعلم استثمار النقد بشكل صحيح.

 

Rashidhj1139@hotmail.com