مدرين المكتومية
قبل نحو 23 يومًا، كانت الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال ضيف كريم، اصطف الناس في المراكز التجارية والأسواق، لشراء احتياجاتهم لشهر رمضان الفضيل، استعدت الأُسر للعبادات والصلاة وغيرها من الشعائر الدينية المُصاحبة لشهر الصوم، كل ذلك وسط شعور كبير بالفرحة والابتهاج لمقدم هذا الضيف الذي يزورنا مرة في العام.
رمضان شهر الفرح، يأتي في بدايته ليعيش كل شخص فرحته الخاصة، تجد الناس تتبادل الأطباق فيما بينها، يدعون بعضهم البعض على الإفطار معًا، تجد كل الأبواب مفتوحة، الأرزاق تتوزع بقدرة الرحمن، فلا ترى في رمضان جائعًا ولا محتاجًا، وموائد الخير منتشرة في أنحاء البلاد.
رمضان بكل أفراحه وسعادته يعطي للحياة طعمًا آخر، يمنحنا شعورًا بالفرح مع كل فعل وعمل، ففي كل حبة تمر على الفطور سعادة تغمر الصائم، ومع بدء العشر الأواخر يسعد المؤمنون بأعمالهم التي تقربهم من الله.
رمضان يمنح الناس الفرح والسرور، حتى الأطفال يسعدون به، ويخططون له، فينتظرون الاحتفال بـ"القرنقشوه" بكل حب وسعادة وفرح، كما إنهم يعيشون الشهر بأجواء الفرح، فتراهم ينتظرون آذان المغرب بشغف وبهجة بعد تحمل يوم كامل من الصيام والجوع، يتنافسون فيما بينهم على صوم الشهر الفضيل كاملًا دون نقصان، وكذلك الحال مع كل أفراد المجتمع، فشهر رمضان شهر يعيش معه الناس فرحة تحقيق الكثير من الأشياء، وكأنه الشهر الذي ينتظرون ليطلبوا من الله تحقيق أمنياتهم ومطالبهم الحياتية.
واليوم ومع قرب انتهاء شهر رمضان نعيش فرحة أواخره بالتقرب من الله والعمل على طاعته، والنظر لحياتنا بعين الرضا، فهذه فرصة سانحة لاستشعارنا بالسعادة المؤجلة، فرصة لكي نعي أن أجمل ما في الحياة أن نستيقظ صباحًا بلا أي مشاكل صحية ودون ألم أو تعب، أن نبدأ يومنا كل صباح بشعور الامتنان والشكر للخالق عز وجل أن الله منحنا يومًا إضافيًا نعيش فيه مع من نحب ومن ينتمون إلينا، وهذا الإحساس بالرضا يجعلنا دائمًا نشعر أن ما بحوزتنا أجمل من كل ما يملكه الآخرون، لأن إنجازاتنا الصغيرة هي السعادة الحقيقية غير المُزيّفة.
شهر رمضان في مجمله يقدم لنا دورسًا في كل شيء.. درس لنا في أن نمنح أنفسنا ما يسعدها بمرضاة الله، وأن نحاول جاهدين أن نجعل من الحياة أكثر سهولة ومرونة، لأننا في نهاية المطاف نعيش حياة يتمناها غيرنا، ويرغب بعيشها آخرون.. إننا نمتلك الوقت الكافي لتغيير مفاهيمنا نحو الفرح والسعادة من خلال فقط التفكير العميق بأن الحياة أكثر جمالًا وأكثر سعة وأكثر رحابة؛ هي المتسع للجميع، ولكنها في ذات الوقت الفرصة الحقيقية لتجديد أنفسنا وتطهيرها من كل الشوائب النفسية التي قد تعلق بنا مع مرور الأيام.
إنني وقبل ختام هذا الشهر الفضيل، أدعو الجميع لمواصلة الجهد والعمل في هذه الحياة، دون كلل أو ملل، والاستمتاع بكل لحظة يمن علينا بها الله جلت قدرته، وأن ندرك أننا نعيش في هذه الدنيا من أجل إعمارها، ولن نتمكن من تحقيق ذلك دون سعادة حقيقية، والتي سنشعر بها إذا ما تحلينا بالصبر على مشاق الحياة وآمنا بقدرتنا على الإنجاز وتمسكنا بعزيمتنا في كل شيء.. فالحياة تستحق أن نعيشها بكل سعادة!