من الحافلة إلى الجنة

راشد بن حمد الجنيبي

قبل عدّةِ أيّام ومع صباحات بداية العام الدراسي، واستعدادات الطلبة للدراسة وحماس الأهالي لالتحاق أبنائهم الصِغار بأولى مراحلهم في المشوار الدراسي، وقبل الطابور وأناشيد الصباح وقبل (مدرسة صفّا.. انتباه!!) ، غفا هذا الطفل في حافلة وأقصى رجاءاته أن تقلّص هذه الغفوة مسافة الطريق إلى مدرسته، وأن يراكض بهذه الغفوة الوقت ليصل لصفّه مرتاح البال سعيد الحال مع خلّانه ليبدأوا حصتهم الأولى، لكن.. لم يعد هذا الطفل من غفوته، بل طار للأعلى طارَ لما هو أسمى، طار للسماء. بعد أن نُسيَ في الحافلة منذ الصباح، تم إسعافه للمستشفى وهو بحالةٍ حرجة إلا أنه فارق الحياة، أكدت الشرطة وفاة الطفل الذي يبلغ من العمر ثمان سنوات، فُجِع طلاب المدرسة بل كل الأهالي فجعوا، كان صباحاً حزيناً على رُوِي.

تعددت حالات الوفاة في السنوات الأخيرة الماضية بسبب نسيان الأطفال في الحافلات، والشاهد في الأمر أن الوضع خطير لدرجة أن خمس دقائق فقط كافية لبدأ عملية اختناق طفل متروك بمفرده هذا في حال كانت المركبة في موقفٍ مغلق، أما في حال كانت المركبة تحت أشعة الشمس المباشرة فذلك يسبب اختناقهم نتيجة استنشاق أول أوكسيد الكربون، مع الاختناق والتوتر وخوف الطفل يتسلل الغاز ببطءٍ إليه ويحل محل الأكسجين في الدم ويحدث الاختناق وحتى التلف الدماغي، حسب المعلومات الواردة من الأطباء، هذا غير تبخّر الغازات السامة من المقاعد والمحتويات البلاستيكية والجلدية والإسفنجية المتواجدة في السيارة، علاوةً على ذلك، في الصيف عندما تكون السيارة مغلقة تماماً والمكيّف لا يعمل فإنَّ درجة الحرارة داخل السيارة تكون أكثر من خارجها، فمثلا إذا كانت درجة الحرارة خارج السيارة 33.5، فإنّها يمكن أن تصل خلال دقائق في السيارة

 إلى 51.5. فالخمس أو العشر دقّائق هذه تؤثر كثيراً وحتى إن نجا فهذه اللحظات المأساوية ستكون لها تبعات في حالته النفسية.

حالة اختناق الطفل حالة شائعة في عدة مُجتمعات، وأصبح وارداً جداً في عرف الطب وليس محصوراً فقط عندنا، لكن مع قليل من التقصي ستجد أن حالات الوفاة هذه بالذات في الحافلات المدرسية زادت مع تغيّر نوع الحافلات، إذ إن الحافلات العامة القديمة الكبيرة كانت أوسع وغالباً نوافذها مفتوحة حتى بعد ساعات العمل بل أحياناً يُترك بابها مفتوحاً، الأمر في النهاية لن يقف على نوعية الحافلة، بعيداً عن إلقاء اللوم على أحد، بداية الأمر أو اليوم تبدأ المسؤولية من ذوي الطفل ثم المسؤول في المواصلات ثم المدرسة، بهم هم ومع الطفل يروجون للتوعية من مخاطر هذه الظاهرة، ليست المسألة مسألة طرح بعض الوصايا على الأهل هنا، لكن من الحكمة أن يحرص الآباء على أن يأخذ الطفل القسط الكافي من النوم في البيت وألّا يكون مرهقاً لكي ينام بالحافلة، وأطفال الحافلة العامة بحد ذاتهم مُجتمع آخر، الركض للّحاق بالحافلة، التأخر وكيفية التصرف في حال فاتهم الموعد وكل الأحداث التي تحصل هناك وما يحصل في الحافلة نفسها، كل ذلك يجب على الأهالي أن يحيطوه عِلْماً بكيفية التصرف بها، ثم في المركبة يكون المسؤول الأول عنها وبمن فيها هو قائدها، حاله من حال قائد الطائرة، هو أول من يتفقد من فيها وماذا نُسي فيها أو حتى أي تلف يحدث فيها، بعدها على المدرسة فور علمها بعدم تواجد الطالب معرفة السبب أو إبلاغ أهل الطالب، وجود مشرف من المدرسة بالحافلة يختصر الطريق في هذه المسألة، زاد السؤال عند الناس وكثر الضجر في الشارع من هذا الأمر ولكي يتم هذا الحراك التوعوي يجب أن تتبناه الجهة المسؤولة الأولى وزارة التربية والتعليم.

{أولا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك} - المصطفى المختار مواسياً رجلاً مات ابنهُ وهو طفل، أحبابُ الله في حياتهم وطيور النعيم بعد رحيلهم، ينتظرون آباءهم وأمهاتهم بالجنة وأوَّل من يفتح باب الجنان لهم، اللهم الرحمة لكل هذه الطيور التي سلكت طريقاً تلتمسُ فِيهِ عِلماً.

Rashidhj1139@hotmail.com