مارد الأعذار

راشد بن حمد الجنيبي

 

دائماً ما ستجد نفسك ساعياً للكمال والنجاح بطبيعة الحال، أو على الأقل لإتمام كل أمورك واحتياجاتِك، هدف معيّن تود تحقيقه، وزنٌ زائد تحلمُ بحرقه، عدد من الكتب تود أن تقرأها، رأس مال معين تود جنيه، صفقة تود كسبها، شهادة علمية تسعى للنجاح فيها، خططٌ ورؤى أهداف تود تحقيقها بين الفينةِ والأخرى!! لكن ملاذك الأخير بعد تعثرك وتدهورك هو أن تتغنى بِـ"ليس كلُّ ما يهواهُ المرءُ يُدرِكُهُ"، خُطاك المتعثرة هنا وهناك بعد سلسلةٍ من الهزائم والعثرات والعجز، أدت لسقوطك واستسلامك، لكنك وقبل أن تسعى لِـلملمةِ أوراقك أو أن تنسحب بهدوء ثم تبدأ من جديد.. باغتك "مارد" وأحاطك من كل الجهات، وعرض لك كل ما تستر به خساراتك وتغطّي به فشلك، بل هو شمّاعة لكلّ عجزٍ أو نقصٍ أو فشلٍ أو حتّى إن احببت "مؤامرة"، رحب بك "مارد الأعذار" وعرض عليك كل خدماته…

 

لكلِّ إخفاقٍ عُذر ولكلِّ المصائب شمّاعة، هكذا يبتدي المارد حديثه، يقول: الشمّاعة هي أجمل المصطلحات في معجمي دائماً أبحث لك عن منفذ ترمي فيه كل مشاكلك، كن دائم التذمُّر كثير الشكوى لا تكلّ من "التحلطم"، بدايةً تذكّر إذا كُنتَ طالباً ورسبت وجّه أول اتهاماتك لمعلّمك وأنّه هو من رسبّك، وإن لم تكتف بذلك وأردت أن تستفيد، فكن مستعداً واجعل لَكَ عذرا لكل مأزق وفشل وعجز، بل عذرا لكل يوم، عذر جاهز إذا خالفك الشرطي بالطريق وآخر للمدير عن تأخرك عن العمل وثالث لغيابك عن الامتحان، امتهن الكذب والأعذار، اكذب على نفسك أولاً ليصدق الجميع كذبك، أو عفواً صدقك، أذكرُ لي قرين ساعدتّهُ كثيراً، جدته ماتت ٤ مرّات، مرّة للاعتذار عن اختبار ومرة لإخفاقه في إتمام تقرير لعمله، والآخر ليسافر بها للنقّاهة، وإن كنت تعرف امرأةً تود شيئاً من خدماتي فذاك عِلمٌ آخر، قل لها إن عذرها الأول والأخير لأي فشلٍ في حياتها أنها امرأة وأنها مستضعفة ولا حول لها ولا قوة، يا رجل حتى أقوى النساء بلقيس ملكة سبأ عذرها معها وأن الرجال "أولي بأسٍ وقوّة" هم من أشاروها، تأفّف من كل شيء يا صديقي وارمها على إخوتك ووالديك بيتك عملك والحكومة.

إن لم تسعك هذه الأعذار فالجأ للغيبِ يا صديقي، تيقن بأن تأخرك في إتمام مهامك سببه العين والحسد، فعلت عملك كاملاً دون أعذار ولكنك فشلت، ليس لخطئك، لكنها العين أو أصابك مسٌّ من الجان وهو سبب كل هفواتك، يا صاح هناك رجال دين إذا اقترفوا عيبا أخلاقيا فادحا قالوا بأن أرواح شيطانية تلبستهم، ونَحْنُ بريئون منهم واكتفينا بالوسوسة، ما عليك، إن لم تجد في هذا عذراً فتأكد بأن أسباب فشلك أنك رأيت في المنام رؤيا ترسم حدود انطلاقاتك وأنّك مغلوب على أمرك ومصيرك محتوم ومكتوب لك هذا الفشل أو العذر، اكتفي بهذه الأمور واللجوء لهذه الخزعبلات لسد فراغ أعذارك، وارسم بالحوت والأسد والحمل والدلو من أبراج النجوم حظوظ أيامك واجعل منهنّ شمّاعة، كن مستعداً بأعذارك قبل أي هفوة واستعن بذلك حتى على قراءة الكفوف والفناجين وارسم بها مزاجاً أروع ليومك.

واذا ضاق بك الأفق ولم تجد شماعة حسّية أو غيبية فقل إنّها مؤامره، فزميلك في العمل وفق لأنه مدعوم من عشيرته ورئيسك يأنسه لأنهم يتسكّعون ويمرحون معاً لا لحسن أدائِه في العمل، قل إنّ معه واسطة وهو كذلك، حتى أنت وقومك ومجتمعك وبلدك إن لم تسبقوا الأمم فهذا لِكون هناك مؤامرة ضبابية تحدّكم من ذلك، ولوبيات عالمية وخفية تحاربكم من قرون، بل لكل انحراف فكري أو عقائدي أو فشل فيكم هناك تبرير، صدقني، صدقني أنتم فعلتم كل شيء.

قُم الآن من فشلك ولا داعي لأن تراجع حساباتك للنهوض من جديد، اكتفي بالتمّني، ولا تقل يوماً لأي خطأ أنّك أنت المسؤول، لا، لا تأخذك العزةُ بالإثم لتحمّل هذه المسؤولية، ولا وجود لأي خطأ في قاموسي، فاسمي مارد الأعذار وليس الأخطاء، فلم يقترف أحدنا أي خطأ.. "كلّه منهم"!!