تدوير الوظائف القيادية

سَيْف المعمري

حظيت مُؤسسات الجهاز الإداري للدولة بالاهتمام البالغ من الحكومة خلال السنوات الماضية، من حيث مضاعفة أعداد الموارد البشرية، ودعم برامج التدريب والتأهيل، وتوفير الإمكانيات المادية، وتوفير الوسائل التكنولوجية الحديثة لتبسيط الإجراءات وزيادة الإنتاج، وتحقيق أعلى معدلات الرضا الوظيفي للموظفين، والسعي للوصول إلى أعلى درجات السرعة والجودة في إنجاز المعاملات المتعلقة بالمراجعين.

ومن يدلف إلى جميع مؤسسات الجهاز الإداري للدولة يلحظ عن قرب إعداد الموظفين والتوسع المطرد في الهياكل التنظيمية فيها، فأصبحت في كل محافظات السلطنة مديريات عامة وإدارات ودوائر بمثابة وزارة مصغرة تمثل معظم مؤسسات الجهاز الإداري، وتوسعت المسميات الوظيفية القيادية في كل مؤسسة، فوجد في كل مديرية عامة مثلا مدير عام ومساعد أو مساعدين أو ثلاثة، ومستشارين وخبراء، إضافة لمديري الدوائر والذي يوجد لديهم مساعدين يصل إلى ثلاثة مساعدين وربما أكثر، فضلا عن وظائف رؤساء الأقسام، وانشطرت دوائر وأقسام في تلك المؤسسات لتصبح دائرتين وثلاثة، والقسم إلى قسمين وثلاثة ونحو ذلك.

وحسب الكتاب الإحصائي الصادر في شهر أغسطس 2017م عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإنَّ عدد الموظفين العُمانيين بالخدمة المدنية شاغلي وظائف الإدارة العليا والوسطى المباشرة حتى العام 2016م يبلغ 10.371، منهم 220 في وظيفة مدير عام ومن في مستواه، وعدد 247 في وظيفة مستشار، وعدد 437 في وظيفة خبير، وعدد 184 في وظيفية نائب مدير عام ومن في مستواه، وعدد 1679 في وظيفة مدير دائرة ومن في مستواه، وعدد 738 في وظيفة نائب مدير دائرة ومن في مستواه، وعدد 4422 في وظيفة رئيس قسم، وجميع تلك المسميات الوظيفية توجد في جميعها أو معظمها في المديريات العامة والإدارات والدوائر الحكومية بجميع محافظات السلطنة.

ورغم هذه الأعداد في الوظائف القيادية في مؤسسات الجهاز الإداري للدولة التي توجد في المحافظات، إلا أنَّ ذلك لم يكن كافيا -على ما يبدو- لتحقيق الشعور بالرضا الوظيفي بين الموظفين، كما أنَّ هناك سخطا مستمرا من قبل المراجعين بسبب البطء في إنجاز المعاملات من معظم تلك المؤسسات، وأساليب المحسوبية والمحاباة والواسطة، وربما الرشاوى التي قد تحدث بعيداً عن طائلة القانون.

إنَّ كل الإمكانيات البشرية والمادية في جميع مؤسساتنا تمكن العاملين فيها من تحقيق الرضا الوظيفي الكامل لهم وللمراجعين؛ إن التزم كل عنصر بشري في كل مؤسسة بما عليه من واجباته ومسؤولياته، ووجد حقوقه الكاملة من قبل من ولي المسؤوليات القيادية في المؤسسة، وإن التجاوزات التي تحدث سببها ضعف القيادات وتدني مهاراتها المهنية، وضعف الوازع الديني والوطني، وتغليب مصالحها الشخصية على حساب مصالح المؤسسة وكوادرها البشرية.

ولعل أحد أبرز الأساليب الرادعة التي يمكن أن تفشل محاولات إساءة استغلال الوظيفية من قبل القيادات في مؤسساتنا هو انتهاج أسلوب التدوير الوظيفي للقيادات بجميع المؤسسات على سائر محافظات السلطنة مع عدم الإغفال عن وضع تلك القيادات في دائرة الضوء من قبل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وأن تكون الرقابة مستمرة، على أن الضرورة الملحة تقتضي تجنب تعيين القيادات الوظيفية في المحافظة التي ينتمي إليها بدء من وظيفة مدير دائرة فأعلى؛ وذلك درءاً للشبهات، وتهيئة بيئة عمل يشعر الجميع فيها بتكافؤ الفرص والعدالة، إضافة لتجديد الأفكار وأساليب العمل والتطوير والضخ المستمر للدماء الجديدة في كل مؤسسة.

إنَّ التدرج الوظيفي في مؤسستنا أصبح اليوم يتم بناء على أسس ومعايير غير موضوعية، تحدده المحسوبية والمحاباة وتوريث الوظائف القيادية من السلف الذي قضى في وظيفيته القيادية عقودا من الزمن وهو في ذات المؤسسة، إلى الخلف الذي لم يبذل جهدًا يذكر ليصل إلى درجة أحقيته في الوظيفة القيادية، وربما لا يملك المهارات التي تمكنه من إنجازها مهامها.

إنَّ النهجَ الذي تنتهجه مُعظم مؤسسات الجهاز الإداري للدولة في التدوير الوظيفي في المحافظات يقتصر على قِمَّة هرم المؤسسة، وهو بلا شك غير كاف لإنعاش المؤسسة، بل إنَّ الكثيرَ منها لا توجد لديها مُدد زمنية معلومة لتنفيذ أسلوب التدوير لهرم المؤسسة، فبينما تجد مؤسسة تقوم بالتدوير للقيادات بين ثلاث إلى خمس سنوات، تجد الأخرى تتجاوز السبع سنوات وأكثر، وبالتالي يفقد أسلوب التدوير الوظيفي موضوعيته ومبتغاه، خاصة إن كانت الشخصية القيادية في بعض المؤسسات لا تتمتع بشخصية قيادية قوية، فتجدها ترتمي في أحضان آراء وتقديرات القيادات الوظيفية الوسطى في المؤسسة، يصدرون له من يريدون، ويقصون من لا يريدون.

إنَّ ما يستحق الالتفات إليه في تلبية الحاجة الملحة للتدوير الوظيفي في مؤسساتنا في القيادات الوظيفية العليا والوسطى، خاصة في المديريات والإدارات والدوائر العامة في المحافظات، ما قامت به وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه قبل عامين من خلال حركة التدوير الوظيفي الواسعة للقيادات العليا والوسطى في مديرياتها وبلدياتها بجميع ولايات السلطنة، وهي بلا شك خطوة ستؤتي ثمارها في تجويد عمل الوزارة ومديرياتها وبلدياتها، وتحقيق أعلى معدلات الرضا والعدالة الوظيفية والمجتمعية.. فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com