وضع الفن نصب عينيه ولم يتخل عن حلمه

صدمة في الشارع العماني وحزن الجماهير على رحيل الفنان الكبير سالم بهوان

...
...
...
...
...
...

الرؤية - مدرين المكتومية - خالد الخوالدي

صدمة كبيرة المّت بجمهور ومحبي وأصدقاء الفنان الكبير سالم بهوان حينما فوجئوا بخبر رحيله المباغت، إثر أزمة قلبيّة، لاسيّما وأنّه عُرف برُقي مشاعره وأخلاقه وحبه للخير ودعم المواهب، إضافة إلى مساهماته الفنيّة التي كانت علامات بارزة في الفن العماني والعربي.

يقول الشاعر عبدالرزاق الربيعي: برحيل الفنان الكبير الراحل سالم بهوان، انطفأ نجم ساطع في سماء المسرح، والدراما التلفزيونية، والسينمائية العمانية، وخسرنا إنسانا ودودا، محبا للخير، والجمال، مخلصا لفنه، وضع خدمة الفن العماني نصب عينيه، ولم يتخل عن حلمه الكبير بإيصال الفيلم العماني للمهرجانات الدولية، وقد نجح في ذلك من خلال أفلام كتبها، وأخرجها، وأنتجها، ومثل فيها كـ" البحث عن مستحيل" و"مهرة" أما فيلم "مرة في العمر" فقد كان هو الكاتب والمخرج والمنتج، واكتفى بالظهور في مشهد واحد، وطوال معرفتي به التي تعود إلى عام2001  وجدته يسعى بكل ما يستطيع لخدمة مجتمعه، وفنه، يدعم الفنانين الشباب، ويوفر لهم فرصا للظهور، وكان يحاول أن يطوّر مهاراته باستمرار، فاشترك بعدة دورات تدريبية في المسرح والسينما بأمريكا والهند، كثير الطموح، وكأنه كان يشعر بدنو أجله، فيحاول أن ينجز الكثير، مستثمرا كل وقته بالعمل، فما كان ينتهي من عمل إلا يبدأ بآخر، وكانت مشاريعه الفنّيّة لا تنتهي، وكان يرهق نفسه بالعمل كثيرا، وقد دعاني لحضور  تصوير مشاهد من فيلمه "مرة في العمر" بصلالة، ولاحظت دقته بالعمل، فهو يتابع كل صغيرة وكبيرة، وحينما ينتهي من التصوير، ينهض من كرسي المخرج، فيجلس مع فريق العمل، كواحد منهم، يتجاذب أطراف الأحاديث، ويشرب، ويأكل معهم، ويمازحهم، والحزن كبير على الفنان والإنسان سالم بهوان.

خبر مؤلم

ويقول الدكتور صالح الفهدي: الموتُ حق، إنّما خبرهُ فاجعٌ مؤلم، ولكن قلبَ المؤمن صابرٌ على القضاء والقدرِ محتسبٌ صبرهُ على الله. نسأل الله في البدءِ أن يتغمد الفقيد الفنان القدير سالم بن مبارك المخيني الذي عُرف فنيّاً باسم (سالم بهوان) بواسع رحمته، وعظيم مغفرته وأن يسكنه الجنان، ويلهم ذويه الصبر والسلوان، لقد كان الفنان سالم بهوان أحد القامات الفنية العمانية لما له من بصماتٍ واضحة في كثير من الأعمال والفعاليات والمناسبات الفنية، إذ تمتع بشخصية لها كاريزما معيّنة قرّبته من الجميع، فهو صاحبُ فكرٍ راقٍ، وخلق سامٍ، تتبدى منه دائماً ابتسامته الصادقة، وروحه المرحة، ونفسه السمحة، فلم نرهُ غاضباً، ولا منفعلاً، ولا ساخطاً وإنما كانت غيرته على الدراما والفن العماني تدفعه إلى إظهار نقده بطريقة لطيفة تتوخى اللغة الراقية. لقد عرفناهُ سمحاً، بشوشاً، يتملك قلب من يتعرّفُ عليه، ويتواصل مع الجميع بعفوية قلب، ودماثة خلق، لهذا كسب محبة الجميع، وطبعَ فيهم طابع الفنان الراقي الذي يرتقي إنسانياً بالفنّ. إنّ من أعظم الأعمال الفنية التي تحسب له مسلسل "ولد الذيب" الذي جاءَ في جزءين، وجسّد فيه دور البطولة، حيث أظهر قدراته الفنية، وجلدهِ على مثل هذه الأعمال الشاقة التي تتطلب صبراً كبيراً، وجهداً دؤوباً، لكنه – وهذا ما عرفنا عنه - لم يكن يستسلمُ للصعاب والمحن، بل كانت لديه الحلول والمخارجُ دائماً، بل وإنّه يستثمر علاقاته الطيبة في خدمة الأعمال الفنية العمانية. رحم الله الفقيد الفنان القدير سالم بهوان وشمله بعفوهِ وإحسانه.

تأثر الشارع العماني

التقينا المخرج التلفزيوني بتلفزيون سلطنة عمان فخر الدين بن عبدالمولى المرجان فقال: من الصعب أن نتكلم عنه في سطور فالكلمات لا تفيه حقه فمن لا يعرف الفنان سالم بهوان ويعرف تعاونه وحبه للناس وحب الناس له وأكبر دليل التأثر الكبير الذي أصاب الشارع العماني بوفاته رغم أنّ الموت حق ولكن مكانة سالم في حياة الناس جعلها تتأثر ويكون حديث الناس في كل مكان، ودليل محبة الناس له الجنازة المهيبة له مع الناس كانت تسأل هل سيدفن الثرى في ولايته ومسقط رأسه صور أو في محافظة مسقط حيث يستقر مع عائلته.

وأضاف المرجان: كان الفنان سالم من أعز الأصدقاء، ونعم الرجل الذي يحمل أخلاقا عالية ولا يمكن لأي شخص تعامل معه أن يقول غير ذلك والكل يمدح أسلوبه وتواضعه وأخلاقه العالية، ونحن على تواصل منذ تسعينيات القرن الماضي، والعام الماضي كنّا سوية في مملكة البحرين أنا ممثلا للتلفزيون لحصول التلفزيون على جوائز على مستوى دول المجلس وهو لحصوله على التتويج على أعمالة الفنية والمونتاج، فأعماله الفنية لا غبار عليها ودائما يكون متميزا فيها سواء على مستوى الأفكار أو الطرح والتناول وله الكثير من الأعمال التي أنتجها وأشرف عليها، وشارك في الكثير من الأعمال الدرامية والمسرحية والفنية على مستوى السلطنة وعلى المستوى الدول الخليجية.

رجل من الزمن الجميل

وقالت الباحثة عزيزة راشد البلوشية: كانت الساعة تقترب من السابعة مساء بتوقيت القاهرة، وأنا أخرج من أستوديوهات قناة النيل الثقافية بعد أن انهيت لقاءً تلفزيونياً في القناة في حلقة مخصصة عن سلطنة عمان التاريخ والتراث والثقافة، وبعدي يدخل ضيف آخر لتسجيل عمل فني، لم أكن أعلم أنّه الفنان المحبوب سالم بهوان، إلا عندما رأيته بابتسامته وترحابه باللهجة العمانية المحلية التي نشتاق لها في السفر ونحن نتحدث بلهجة البلاد التي نسافر إليها، في صوته وترحابه وابتسامته نسيم من صور عليل، ورائحة البحر وصوت الشراع وهدوء مسقط، رجل في حضرته تستعيد الوطن وتسعد بالبراءة والعفوية والكرم واللطافة المعهودة عن العمانيين، عندما أردنا التقاط صورة لنا أشار حارس الأمن أنّ التصوير ممنوع، وبدعابة جميلة منه رحمه الله للحارس تمنى الحارس أن يتصوّر معنا، كان يستوعب كل من حوله، قلب أبيض وابتسامة نقية وكرم عماني.

بهوان رجل من الزمن الجميل رسم لوحة فنية لأعمال تظل فخرا لنا وللدراما العمانية، وحب جمهوره له بتواضعه ودماثة خلقه، هذا زمن الطيبين الذين يتساقطون من شجرة الحياة، نحزن لأجلهم، لكن موتهم ليس فناء بل لقاء مؤجل، ندعو الله أن يرحمه ويدخله جنة النعيم لأنه زرع في كل قلب جنة من السعادة، وأن يجعل الله أعماله الخيرية لليتامى والمساكين ثوابا يثاب عليه وقرضا حسنا يضاعفه الله.

الفارس الذي ترجّل

وقال الإعلامي عادل بن إبراهيم الفزاري: يظهر الفنان سالم بهوان في مقدمة الأسماء بشكل دائم عند الحديث عن الفن في سلطان عمان، فهذا الفارس الذي ترجل وهو لم يبلغ من العمر عتيا كان صاحب بصمة لا تنسى في مسيرة الفن العماني بكافة مجالاته ابتداء من المسرح مرورًا بالتلفزيون وحتى الإذاعة وصولا إلى السينما وغيرها من المجالات بحكم كونه صاحب رؤية فنية مبتكرة ساهمت بشكل كبير في تطوير الفن العماني. 

وأضاف الفزاري: يكفي أن نذكر أنّه قدّم طيلة حياته الفنية أكثر من 30 عملا تلفزيونيا، و 30 مسرحية، و4 أفلام سينمائية، وهو أول ممثل خليجي يحصل على وسام من جهورية مصر العربية عن دوره في مسلسل إنسان من زمن المستحيل، وهو منتج ومخرج وبطل لفيلم عماني وتم عرضه على الطيران العماني وطيران الاتحاد الإماراتي، وعلى متن الرحلات البحرية المتعددة للعبارات البحرية التابعة للشركة العمانية للعبارات، ولقد شغفنا سالم بهوان حبا فيها فهو الذي اتفقت آراء الناس قاطبة على أنه الرجل المتواضع صاحب المواقف الشهمة، وهو صديق للجميع داخل وخارج الوسط الفني بلا استثناء، وصاحب الكلمة الصادقة في مجال العمل الذي يرى أن مصلحة العمل هي العليا بلا استثناء، وهي الغاية في كل الأوقات لذلك خرج فن سالم بهوان متميزا عن الآخرين، وبقيت أعماله التي شارك فيها تحمل طابعا فريدا من نوعه ولذلك حصد الكثير من المتابعين بين الجمهور بمختلف شرائحه وحتى النقاد الذين أسالوا المحابر إعجابا بمستوى التمثيل الراقي لدى ود الذيب، ومهرة، وغيرها من الأعمال الشاهدة على ذلك.

وأشار الفزاري إلى أن الفنان الراحل له دور في تشجيع الشباب العماني للانخراط في مجال الفن والتمثيل والدراما عبر الاستعانة بالأشخاص المناسبين لتأدية الأدوار المطلوبة منهم بكل دقة، والمشاركة في العمل الدرامي ولذلك خرجت أعماله الفنية قطعة واقعية مطابقة للحقيقة من حيث تقمص الصوت والحركة وحتى الصورة، ولعل هذا الواقع الجميل أضفى الكثير من الدقة على العمل الذي أبهر القلوب قبل العقول وتسمر الناس يبحلقون بأعينهم إعجابا بما يرونه، وحرصا على متابعة مجريات الأحداث وصولا إلى الحلقة الأخيرة من العمل الفني، لقد اكتشف هذا الرائع العديد من المواهب في السلطنة سواء في التلفزيون أو السينما.

 وعن دوره في الحياة الاجتماعية وقربه من الناس قال الفزاري لعل الصورة التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي قبل أسبوعين تقريبا وهو يمسك بمقبض الكرسي المتحرك للفنان العماني الجميل سالم علي سعيد قبل سفره إلى تايلند للعلاج، وحتى الصورة المرادفة وهو موجود معه على سرير المرض هي أبرز ما قد يقال عن شيخ الفن العماني الذي غادرنا في ريعان شبابه وبقيت لنا صورة عابقة زكية تضوع الأجواء، والمواقف الشخصية لدى سالم بهوان كثيرة والمكان لا يكفي لذكرها كلها هنا، لقد أسهم الفقيد بدور بارز في الحفاظ على الموروث الشعبي العماني من خلال إقامة مسابقات تراثية وشعبية حيث أقام آخر مسابقة بولاية صور لأجمل زي للأطفال، وهو صديق الكل، وهو الإنسان الذي يغمر الجلسة بضحكته الوسيمة، وهو رب الأسرة الحنون وهو صاحب المواقف الشجاعة، تجده يتحدث بكل إنصات، ويلتقط السيلفي مع هذا الصديق أو ذاك المعجب بدون أي تأخير أو اعتراض بل إنه يمازحك بكلمة لطيفة وعبارة وظريفة، فسلب العقول والألباب، وكان لا يتردد عن تلبية الدعوات أو الحضور لاجتماع وحتى في الاتصال الهاتفي تجده يأخذ ويعطي معك بكل أريحيّة وصراحة، ولا يمل حتى تمل، فهو بحق رجل ليس من هذا الزمان.              

وقالت منى بنت محمد بن سهيل جعبوب مدربة في التنمية البشرية ومعلمة في المجال التربوي رحيل الفنان والمخرج سالم بهوان شكل صدمة كبيرة حيث كان رجلا مخلصا لهذا الوطن وقدم الكثير من الأعمال الناجحة وله بصمة قوية في سماء الفن الخليجي ولم يتوارى أبدًا عن تقديم الدعم لزملائه الفنانين، ولقد حظي الفقيد بشعبية كبيرة واحترام لدى الشعب العماني ومسيرته الفنية الحافلة بالعطاء وتميز بأخلاقه العالية وإطلالته الملفتة والمميزة على الساحة الفنية وكنا نتأمل بوجود هذا الفنان أن يرتقي الفن العماني بشكل أكبر من خلال تصريحاته بأنّ هنالك إبداعات لفنانين ومن خلالهم سيرتقي الفن، وبفقداننا له نعزي أنفسنا وأسرة الفقيد المغفور له بإذن الله داعين المولى العلي القدير أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته ويلهمنا وأهله الصبر والسلوان إنّا لله وإنا إليه راجعون.

في قمة عطائه

وبدوره قال حسين بن علي بن سعيد حاردان: تلقى الشارع العماني خبر وفاة الفنان سالم بهوان كالصدمة فهو لا يزال في قمة عطائه وشبابه ولكنّه الموت الذي لا يفرق بين صغير وكبير، ومما لا شك فيه أنّ الشارع العماني محق في التأثر بوفاة الفنان سالم الذي كان إنسانا قبل أن يكون فنانا ومن إنسانيته هذه عرف واشتهر بين الجمهور قبل فنه وعمله وإخلاصه وإتقانه لكل ما يقوم به سواء في مجال التمثيل أو الإعداد أو الإشراف.

وأضاف حاردان: كان لي الشرف أن يكون الفنان القدير سالم بهوان أحد الشخصيات التي أجريت معها حواراً حول أعماله، ولم أر في حياتي شخصاً بهذا التواضع والجمال الروحي، كان سالم بهوان نهرا متجددا بالعطاء، ننهل منه ونرتوي بأسمى القيم الإنسانية والفنية.

وقال محمد بن سعيد الهنائي: عمان بأكملها تودع أحد أبرز شبابها الخيرين الفنان العماني سالم بهوان الذي ترك في قلوب محبيه فراغا كبير ومسيرة حافلة من الإنجازات والإعمال والمبادرات التي لا تحصى في مختلف المجالات، كان رحمة الله عليه يسارع إلى فعل الخير ويزرع البسمة والفرحة في قلوب المحتاجين والمتعسرين، وله الكثير من البرامج والمشاركات في خدمة المجتمع التي تعالج بعض القضايا والسلوكيات الخاطئة مثل ارتفاع المهور والحوادث، ويقف مع الشباب العماني الطموح ويرعى الكثير من القضايا والفعاليات والمناشط التي تدعم الجمعيات الخيرية والفرق الرياضية والمدارس فكان أحد أبرز الداعمين لفريق المنتخب العسكري في البطولة التي أقيمت على أرض السلطنة، وقبل أسابيع رعى حفل تكريم الفائزين في مسابقة أفضل زي عماني للأطفال والذي حمل عنوان (نعتز بهويتنا) لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو شخصية متواضعة وكريمة بعيدة عن الترف والتعالي ودائما مبتسما وعفويا ومحب للجميع ولم يشتك منه أحد ولم تكن له خصومات مع زملائه في المهنة والوسط الفني، وكان له الفضل الكبير في إظهار وإبراز مواهب عمانية شابة في مجال التمثيل الذي يعتبر سفير الدراما والمسرحية والسينما العمانية وحصل على العديد من الجوائز والألقاب والتكريم وأهمّها محبة الناس له ووجد مسلسله المشهور ود الذئب صدًى وتفاعلا كبيرا لدى عامة الناس.

تعليق عبر الفيس بوك