باحث عماني يؤطر "الدور السياسي والعلمي للوكلاء السياسيين البريطانيين في عُمان"

مسقط - العُمانيَّة

تعدُّ تجربة الكاتب والباحث منذر بن عوض المنذري في إصدار كتاب "الدور السياسي والعلمي للوكلاء السياسيين البريطانيين في عُمان 1871-1913" والذي جاء في مائة وأربع وتسعين صفحة، من خلال ثلاثة فصول، سرد خلالها وقائع اثنين وأربعين عاما من الأحداث العلمية والسياسية واحدة من تلك الإبداعات التي أثْرَت الساحة العُمانية بإصدار جديد.

وأكَّد الكاتب في مُقدِّمة كتابه على قيام الوكلاء والقناصل السياسيين البريطانيين في عُمان بدور مهم في تسيير المصالح البريطانية، وتوثيق أواصر التعاون البريطاني العماني منذ بداية تعيين أول وكيل سياسي في عمان عام 1800م وظهرت فيما بعد دوافع التوجه البريطاني لعمان من خلال هذا الاهتمام الواضح.

واختارَ الباحثُ عام 1871م بداية لفترة دراسته؛ وذلك لأنَّ هذا التاريخ يمثل بداية حكم السلطان تركي بن سعيد، بينما يمثل عام 1913م نهاية حكم السلطان فيصل بن تركي؛ حيث استقرَّ الوكلاء البريطانيون في مسقط وصدرت عنهم الكثير من التقارير المنظمة والدراسات التاريخية والجغرافية خلال هذه الفترة التي بلغت حوالي 42 عاما.

وتطرَّق المنذري إلى العلاقات العمانية البريطانية؛ حيث ذكر أنَّ حكومة بريطانيا من أهم الدول التي ارتبطت بشكل مباشر مع سلاطين عمان منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادي؛ حيث كانت الدولة العظمى التي تسيطر على تجارة الهند في تلك الفترة؛ وذلك لوجود شركة الهند الشرقية البريطانية، ووجود حاكم عام الهند الذي كان بدوره يشرف على المصالح الخاصة لدولته في المنطقة العربية. وأضاف بأن بعد حكم البوسعيد لعُمان بدأت بريطانيا التوجَّه لعمان بقوة، خاصة منذ حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م، فوقَّعت مع السيد سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد عام 1798م أول اتفاقية رسمية، ومن ثم جاءت بعثة مالكوم 1800م الذي وقَّع مع السيد سلطان اتفاقية ثانية. وبموجب هذه الاتفاقية، تمَّ تعيين أول وكيل سياسي بريطاني في مسقط، الذي لعب دورا بارزا في توثيق العلاقات البريطانية-العمانية في المجالين السياسي والاقتصادي. وكان لهؤلاء الوكلاء أثر في توثيق أواصر الصداقة البريطانية العمانية مع الحفاظ على المصالح البريطانية، إضافة إلى أن التقارير والمعلومات التي كانوا يكتبونها أصبحت مادة علمية وتاريخية لعمان.

وعن أهمية الدراسة التي شملها مضمون هذا الكتاب، بيَّن الكاتب من خلال تقديمه أنَّ الأهمية تأتي كونها تسلط الضوء على الواقع العماني في تلك الفترة، وبتوثيق من الكتابات والتقارير عن عمان خلال فترة حكم السلطان السيد تركي بن سعيد وابنه السلطان السيد فيصل.

ولقد جاء اختيار الباحث لهذه الدراسة لأنه لم يتطرق لها كثير من الباحثين، ولا نجد دراسة تشير للدور السياسي والعلمي للوكلاء والقناصل البريطانيين في عمان بشكل مباشر وصريح، إضافة إلى أنَّ هؤلاء الوكلاء والقناصل البريطانيين من أهم الأشخاص الذين كان لهم دور بارز في تغيير مجريات الأحداث، خصوصا وأنَّ هذه الأحداث خلال فترة الدراسة كانت مهمةً باعتبارها أخذت صدى عالميا.

كما أنَّ تحديد هذه الفترة للدراسة 1871-1913م لما كان فيها من أحداث مهمة في عُمان، دفعت الوكلاء السياسيين البريطانيين إلى التفاعل معها والوقوف موقف المدافع عن مصالح بلادهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان لإنتاجهم العلمي وتقاريرهم أهمية كبيرة في رصد تاريخ عمان خلال تلك الفترة؛ كونها من المصادر المهمة لتاريخ المنطقة التي كشفت عن معلومات حديثة لم يسبق التطرق لها في الدراسات السابقة.

 ويجد الباحث من خلال هذه الأسباب دافعا لدراسة دور هؤلاء الوكلاء والقناصل البريطانيين في عمان لإلقاء الضوء على فترة تاريخية من واقع تقارير ودراسات هؤلاء الوكلاء السياسيين، إضافة إلى أعمالهم السياسية والعلمية، خصوصا وأنَّ عددهم كان كبيرا مقارنة بالفترات الحالية فقد بلغوا 22 وكيلا وقنصلا سياسيا تعاقبوا على قنصلية مسقط كان 7 منهم في فترة حكم السيد السلطان تركي بن سعيد، و16 في فترة حكم السيد السلطان فيصل بن تركي، مع مراعاة أن الوكيل موكلر تزامنت فترة إقامته في مسقط بين عهد السيد تركي والسيد فيصل.

 وعن أهداف المادة العلمية، نرى أنَّ الكاتب قد أوجزها في 7 نقاط رئيسية. مؤكدا أنَّ القارئ في موضوع الوكلاء السياسيين يجد العديد من الأحداث التاريخية التي ارتبط بها هؤلاء الوكلاء وأثروا بدورهم في سير مجريات هذه الأحداث، وأسهموا في تدوين تاريخ مهم للبلاد التي يعملون بها؛ لذلك فقد هدفت الدراسة إلى إيضاح أهمية الموقع الجغرافي لعمان، ومدى تقبل حكام عمان لاحتواء بريطانيا في المنطقة والتعرف على الوكلاء والقناصل السياسيين في عمان وعددهم خلال فترة الدراسة والتعرف على الدور السياسي للوكلاء والقناصل السياسيين في عمان والكشف عن أهمية التنافس البريطاني الفرنسي لكسب ود سلطان مسقط، للمحافظة على مصالحهم في المنطقة، وتأثير الخبرة السياسية للوكلاء على السلطان؛ لأنَّ كل وكيل كان يعمل لصالح دولته والتعرف على دور هؤلاء الوكلاء في شؤون عمان السياسية والإدارية والمالية وإبراز المهام والآداب السياسية لمنصب الوكيل السياسي وإبراز الإنتاج العلمي والأدبي لهؤلاء الوكلاء والقناصل.

ويتَّضح ذلك جليًّا للقارئ من خلال المنهج الوصفي التحليلي التاريخي للدور السياسي والعلمي للوكلاء السياسيين البريطانيين في عمان الذي اتبعه الكاتب في دراسته لفترة مهمة من فترات التاريخ العماني الحديث، وكان لهم دور واضح وجهود بارزة في اتخاذ قرارات حاسمة لمختلف الأحداث التي واجهتهم، حيث إن معاهدات الصداقة التي سبقت فترة دراسة الباحث استدعت تدخل هؤلاء الوكلاء السياسيين في بعض الأمور الداخلية في سياسة عمان، فنجد في معاملاتهم مع حكام عمان الكثير من الحجج التي كانوا يعتقدون أنها تبرر حقهم في التدخل في شؤون عمان.

وتنقسمُ هذه الرسالة إلى مُقدِّمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، وركَّز التمهيد على أهمية موقع عُمان الجغرافي كون بريطانيا لها مصالح تجارية في بحار الشرق لا سيما في بحر العرب والخليج العربي، وكانت تأمل الوصول لاتفاق معها لحماية سفنها، واتخاذ مسقط مركزا للحفاظ على المصالح التجارية، ويناقش الدوافع البريطانية لإقامة وكالة سياسية في مسقط، والأسباب التي دفعت بريطانيا لتعيين وكلاء وقناصل سياسيين في مسقط، وبداية الارتباط السياسي، والوكلاء السياسيين البريطانيين الأوائل في مسقط.

ويتناول الفصل الأول الوكلاء السياسيين البريطانيين في عهد السيد تركي بن سعيد وأهم الأحداث السياسية التي أبرزت دور هؤلاء الوكلاء. أما الفصل الثاني، فخُصص للتحدث عن الدور السياسي للوكلاء والقناصل السياسيين البريطانيين في عهد السيد فيصل بن تركي وأهم الأحداث السياسية التي عصفت بعلاقة السلطان السيد فيصل مع بريطانيا؛ من خلال المنافسة الفرنسية-البريطانية في عمان، إضافة إلى أهم الأحداث السياسية التي كان للوكلاء والقناصل دور سياسي فيها. ويركز الفصل الثالث على التقارير الإدارية والإنتاج العلمي والأدبي للوكلاء السياسيين خلال فترة الدراسة.

تعليق عبر الفيس بوك