وماذا عن معجون الصلصال؟!

 

صفاء الربخيّة

لا يوجد شيء يحبه الأطفال أكثر من كومة صلصال بين أناملهم الصغيرة. قد يروق الصغار كثيراً عند رؤية الصلصال وتشكيله. والأكثر من ذلك هو ألوانه الرائعة ورائحته الزكيّة التي تستخلص من روائح أطعمة الأطفال مثل الكعك والمُربى وبعض الفواكه مثل الكرز والعنب والليمون وغيرها من الحلويات، وهذا ما يجذب الأطفال إليه. حيث أخبرتني إحدى الأخوات وهي معلمة رياض أطفال أنّ الصغار في بعض الأحيان لا يقاومون رائحة معجون الصلصال حيث يحاولون تذوق المعجون ولو بقطعة صغيرة، ولا يقتنعون بحكم صغر سنهم أن الصلصال سوف يمرض بطونهم أو ما شابه ذلك ويزيد إصرارهم حيال ذلك وتظهر بعد الجمل منهم بلا إدراك منهم حيث يقول البعض "لا هذا كرز" أو "إستاذة شمي هذا ليمون وأنا شميت هو ليمون فعادي ناكله". لذلك تلاحظ الأمهات ومربيات الأطفال إدماج الصغار في كرات الصلصال لفترات طويلة جداً دون الشعور بالوقت، وهذا كله يرجع إلى بساطة خيال الأطفال الواسع وسهولة تشكيل المجسّمات بالصلصال. ويستطيع الآباء اكتشاف شخصيات صغارهم عن طريق لعب الطفل بالصلصال من خلال الألوان التي يختارها والأشكال التي يحب صنعها وتشكيلها. سوف ينمو ذكاء الطفل منذ صغر سنه إذا عاش في عالم الصلصال يومياً وقت لا يزيد عن ساعة مثلاً سيجعل الطفل يستكشف ألوانا جديدة غير موجودة إذا حاول دمج لونين أو أكثر كالأرجواني مثلاً يصعب على الشركة إنتاج هذا اللون ولكن إذا حاول الطفل دمج كرة من اللون الأحمر بكرة من اللون الأزرق سوف ينتج له اللون الأرجواني، وإذا حاول دمج ألوان أخرى سيجد ألوانا جديدة غير الموجودة في علبته الصغيرة. وأيضاً يحاول تجسيم ما يراه في بعض الصور ولو كان المجسم الذي يصنعه بعيدا كل البعد عن الصورة، ولكن يخبرك أنه صنع ذلك ويبدأ بإخبارك أن هذا هو ذاك وهذا هو الشيء الآخر مما يطوّر مهارات التشكيل لديه يوماً بعد يوم حتى يصبح مبدعا منذ صغره. وإذا نظرنا إلى أغلب مدارس رياض الأطفال سنجد هناك ركنا بالكامل في قاعة الهوايات يسمى ركن الصلصال ويتلقى هذا الركن إقبالا كبيرا من الأطفال وإن لم يكن هناك ركن في بعض المدارس ستجد أنّ إدارة المدرسة خصصت حصة بالكامل لتشكيل الصلصال أسبوعيًا، ويحقق للطالب صنع ما يروق له وما يدور في خياله هذا ما أخبرتني إيّاه مديرة إحدى مدارس رياض الأطفال.

وإذا رجعنا قليلاً إلى مكونات الصلصال سنجده مصنوعا من مواد غذائية مثل الطحين والسكر وبعض الرمال الملونة والمكون الأساسي لها هو الماء وبعض المكونات التي لم تقلها الشركة لنا حفاظاً على خبرتها ولكنّها أثبتت لنا أنّها مواد غذائية وأخرى طبيعية صحية لكنها ليست للأكل مثلما يدعي الصغار. لذلك نجد أنّ الصلصال لا يلتصق على يدينا أو على ثيابنا وأدواتنا وذلك لأنّ مكونه الأساسي هو الماء الذي يشكل نسبة أكثر من 30% من المعجون ويجعله طريا لفترة طويلة. وإنّ أصابه الجفاف ما علينا سوى عجنه بقطرات ماء بسيطة وإرجاعه في علبته المحكمة الإغلاق وتركه لمدة يومين وسيعود الصلصال إلى حالته السابقة الجيدة.

وهناك مجموعة كبيرة من الصلصال ولكن لها نفس الغاية. فالصغار غالباً يستخدمون الصلصال الذي يجف إذا تمّ تركه خارج العبوة لساعات طويلة متتالية. ولكن هنالك نوع آخر وهو الصلصال الذي لا يجف إلا بحرارة الفرن وهذا غالباً ما يستخدمه الكبار والمبدعون في تشكيل التماثيل وبعض المجسّمات الكبيرة حيث يتم تشكيله ومن بعد ذلك يتم تدخيله الفرن في درجة حرارة معينة حتى يجف تماماً فعند إخراجه يكون صلبا للغاية وهذا النوع لا يعود لحالته الطرية السابقة أبدا بعكس صلصال الأطفال.

لهذا لا تخلو حقائب الأطفال من علب الصلصال ولا يستثنى الكبار من ذلك، فقد ترافق علبة الصلصال حقائب الكبار أيضاً إلى مدارسهم، حيث لاحظت في الفترة الأخيرة استخدام الصلصال في إنجاز المشاريع المدرسيّة للكبار كالخنفساء مثلاً وصنع المُجسّمات الكبيرة وهذا ما جعلني أكتب هذا المقال المتواضع لهذه الخامة الرائعة والطريّة التي تتلقى حب الصغار وعشق الكبار.