عبيدلي العبيدلي
"إذ تضع في اعتبارها التحديات التي تواجهها صناعة المعلوماتية العربية، وتقديرا منها للدور المتنامي لقطاع المعلوماتية في النهضة بالاقتصادات العربية، وانطلاقاً من إيمانها العميق بضرورة وجدوى إرساء أسس علاقات التعاون والتنسيق بين منظمات المجتمع المدني العربية، وتلبية لحاجة تشييد الأطر التنظيمية القادرة على بناء علاقة راسخة مثمرة قابلة للنمو والتطور بين منظمات المجتمع المعلوماتية العربية، وإدراكا منها لأهمية العمل العربي المشترك في هذه المرحلة من تطور البلاد العربية، وحرصاً منها على تعزيز دور صناعة المعلومات في الاقتصاد العربي، تنادت من مجموعة من جمعيات المعلوماتية العربية، وعقدت أول اجتماع لها في مملكة البحرين، في الرابع من يناير 2016، وألزمت بنفسها بالمبادئ التالية".. تلك كانت ديباجة "اتحاد جمعيات شركات تقنية المعلومات والاتصالات"، الذي لا يزال تحت التأسيس، والذي عقد الاجتماع الثاني للجمعية العمومية لمؤسسيه من الجمعيات العربية التي يحق لها الانتساب لعضويته بمثلين من مصر والمغرب والكويت ولبنان والبحرين، وهو بصدد استكمال عضوية المنظمات التي يحق لها العضوية من الدول العربية الأخرى.
وبقدر ما يرفع تأسيس اتحاد عربي من هذا النوع، ينشط في قطاع تفنيه المعلومات والاتصالات مجموعة من التساؤلات ويثير مجموعة أخرى من التحديات، فهو يشيع أيضا الكثير من عناصر الأمل والتفاؤل في نفوس من يعملون في هذه الصناعة.
مصدر الأمل والتفاؤل هو أنه في خضم حالة التشظي والتشرذم التي تعيشها الأمة العربية، حتى على مستوى منظمات المجتمع المدني، يأتي مجرد التفكير، دع عنك التأسيس، في شكل من العمل الجماعي العربي، شمعة تنير سواد ليل التشاؤم والإحباط الذي يغرس نفسه عميقا في نفوس المواطن العربي، ويشده نحو الأمام منتشلا إياه من حالة الإحباط التي تكاد تشل حركته المجتمعية، وتمنعه من ممارسة دوره التنموي من خلال تلك المؤسسات.
يُعزِّز من موجة الأمل هذه كون مثل هذا الجسم المجتمعي يأتي في الوقت المناسب المطلوب، إذا ما أخذ المراقب للمشهد السياسي والاقتصادي العربي التحول الكوني الذي بات يقود حركة المجتمعات المتقدمة والناهضة؛ حيث تجتاحها هبة تكاد أن تكون جماعية تأخذ بيدها، وبسرعة متنامية نحو مجتمع تسير مكوناته الاقتصادية والاجتماعية، بل وحتى السياسية مقومات صناعة تقنية المعلومات والاتصالات.
أمَّا مجموعة التساؤلات، فيأتي في مقدمتها: هل تستطيع جمعيات تقنية المعلومات والاتصالات تجاوز حالة الانقسام الحاد العربية، وتتجاوز المشكلات التاريخية التي عانت منها جمعيات عربية أخرى في قطاعات أخرى، وتشكل، بالتالي، حالة استثنائية تمثل قدوة يستفاد منها على طريق العمل العربي المشترك؟
يتناسل من هذا التساؤل علامة استفهام في غاية الأهمية، إذا قدر لهذا الاتحاد -الذي لا يزال قيد التأسيس- أن يرى النور، فهل يستسلم هذا الاتحاد للواقع المرير الذي يعاني منه الكثير من منظمات المجتمع المدني العربية المشابهة، فيعيش أسير شكليات العمل الجماعي العربي، قبل أن يتآكل ويتحول إلى هياكل معبد مهجور، بدلا من أن يكون أعمدة مشغل صناعي في غاية الحيوية والنشاط؟
وتتفاعل تلك التساؤلات بشكل ديناميكي، كي تضع هذا الوليد الذي لا يزال في مرحلة التأسيس أمام مجموعة من التحديات التي يمكن أن ترصدها النقاط التالية:
1- قدرة قيادة هذا الاتحاد على التحول من مجرد هيكل تنظيمي يمارس أنشطة لها علاقة بالمجال الذي يمثله، إلى منظمة مجتمع مدني لها كلمتها المقبولة والمسموعة، على حد سواء، في إدارات صناعة قرار تقنية المعلومات والاتصالات، بحيث يتحول إلى جهة مرجعية معترف بها لدى تلك الإدارات، كي تنظم سوق هذه الصناعة، وتضع معايير ممارسة أنشطتها، وتمثلها أمام الجهات المعنية ذات العلاقة بها.
2- إمكانية انتقال هذه القيادة من مرحلة ردة الفعل الإيجابية للارتقاء بهذه الصناعة وتطوير عناصر جودتها، إلى جسم مبادر يفتح الآفاق أمام تلك الصناعة، ويفتح أعين القائمين عليها على الفرص المتاحة أمامهم. مثل هذه النقلة النوعية من ردة الفعل إلى المبادرة، بحاجة إلى بذل الكثير من الجهود ليس من أجل الانتقال من حالة التقاط الفرص وفتح الأبواب فحسب، بل إلى مرحلة التحول إلى جزء مهم من آليات صنع قرار تنظيم هذا الصناعة ورسم أطرها، وتحديد مسارات تطورها كي تمتلك مقومات الجودة التي تمكنها من المنافسة ليس في الأسواق المحلية فحسب، بل في نظيراتها الدولية أيضا. وما يبعث على التفاؤل في هذا الاتجاه هو بعض ما جاء في تلك الديباجة التي اتفق من وقعها على "التنسيق من أجل المساهمة في سن التشريعات، ووضع القوانين التي من شأنها حماية تعزيز وسائل حماية صناعة المعلومات العربية، وي المقدمة منها حماية الملكية الفكرية، ومد جسور التعاون بين مؤسسات البحث العلمي والتعليم وسوق المعلومات العربية".
3- القدرة على الموازنة البناءة القادرة على البناء والتطوير، بين التوجه القومي والتنافس الوطني القطري؛ حيث لا تزال تنخر الجسم العربي، وصناعة تقنية المعلومات والاتصالات ليست حالة استثنائية في هذا المجال النزعات القطرية النزقة، ومن ثمَّ فهناك جهود مضاعفة ينبغي أن تبذل من أجل اقتلاع النزعات القطرية الضيقة الأفق لصالح تلك القومية الرحبة المرمى، والتي تسير في اتجاه حركة التاريخ، بينما تسير الأولى في اتجاه معاكس لها. ومما يشيع الكثير من الأمل هنا أيضا هو ما ورد في تلك الديباجة التي أفصحت بوضوح سعيها لترويج التعاون "التنموي عبر الحدود من أجل المساهمة في مشروعات التكامل العربي في مجال المعلوماتية، بما لا يتعارض مع برامج تطور الصناعة المعلوماتية في أي قطر من الأقطار العربية على حدة".