لماذا قدموا استقالاتهم؟!(2-2)

سيف بن سالم المعمري

وإن كان ما يشاع عن وجود نية لدى الحكومة في رفع سنوات الخدمة إلى سبع وعشرين سنة عمّا هو عليه الآن والبالغة عشرين سنة فما هو المرود المرجو من الموظف الذي يبحث عن التقاعد المبكر للأسباب التي تم ذكرها في الحلقة الأولى من المقال؟ وهل لو تم التطبيق الفعل لزيادة مدة الخدمة ستعطي أثرا للمؤسسة وللموظف؟ وهل تم إعداد دراسة ميدانية موضوعية لمعرفة الأسباب التي تدفع بالموظفين إلى طلب الاستقالة المبكرة من القطاع الحكومي ومواصلة العمل في القطاع الخاص؟ إلى أي مدى يوفر القطاع الخاص الرضا الوظيفي والبيئة المثالية للعمل؟

ومن خلال تواصلي مع عدد من الموظفين بالقطاعين الحكومي والقطاع هناك قواسم مشتركة بين الأسباب المنفرة للعمل في القطاع الحكومي وبين الأسباب الجاذبة للعمل بالقطاع الخاص، فالموظف في القطاع الحكومي حينما يكتوي بالظلم والتهميش من رئيس الوحدة ومسؤوله المباشر، يدفعه إمّا للامبالاة في العمل وانخفاض مستوى الأداء لديه وبالتالي يبقى طاقة شبه معطلة وغير منتجة ويبقى ضابط المسؤول عليه أن الموظف يبصم في بداية الدوام وفي نهايته وليس مهما ما يقوم بإنجازه خلال فترة الدوام، بينما في القطاع الخاص على النقيض من ذلك فالموظف يقاس انضباطه ليس بعدد الساعات التي يقضيها في العمل بقدر قيمة الأعمال التي ينجزها وإن كان بداية ونهاية الدوام والتقيد بالمواعيد هو إطار تنظيمي يلتزم به الموظف أيا كان موقعه حينما يشعر بحبه وانتمائه للمؤسسة التي يعمل فيها، وفي القطاع الحكومي ضاق عدد كبير من الموظفين بالظلم والقرارات التعسفية والتي لا تخدم العمل فطرق عدد كبير منهم أبواب العدالة لطلب الإنصاف ورفع الظلم، حتى أصبحت مرافعاتهم في قاعات محكمة القضاء الإداري في نمو ملحوظ، وربما سيتطلب الأمر فتح فروع أخرى لمحكمة القضاء الإداري في جميع محافظات السلطنة وذلك للزيادة المضطردة في عدد القضايا، وإن كان البعض يعتبرها ظاهرة صحيّة تتعلق بنمو مستوى الوعي القانوني للموظفين، بينما يراها البعض الآخر مؤشرا على عدم الاستشعار بالمسؤولية لدى رؤساء الوحدات الحكومية وعدم تطبيقهم للقوانين المنظمة للعمل المؤسسي بموجب قانون الخدمة المدنية ولسان حالهم يقول:" لي ما عاجبنه يذهب يشتكي في القضاء" وهي عبارة طالما سمعناها من كثيرين من المسؤولين، ولو أدرك أولئك المسؤولون عواقب أخطائهم وعلموا أن مؤسسات القضاء لم تنشأ لتبحث عن متقاضين لملء قاعات المحكمة وتعطيل مصالح الناس، وتعطيل الطاقات البشرية وأشاغلها للبحث عن حقوقها، فالأصل في المحاكم أن يلجأ إليها المتقاضون في الحالات التي ينفذ معها كل الإجراءات، وأن المسؤول عليه أن يحسن ما أؤتمن عليها في رعاية مصالح المؤسسة وإنصاف موظفيه.

ومن يحضر جلسات المحاكمات في محكمة القضاء الإداري يلحظ تصدر وزارة وجهات حكومية معينة أعداد القضايا المرفوعة عليها من موظفيها، وهي في زيادة ملحوظة عاما بعد عام، بل إن الكثير منها تنتهي لصالح الموظفين في إشارة واضحة على الأخطاء المتكررة والقرارات التعسفية التي تتكرر من ذات المؤسسة، بل وفي أحيان كثيرة يتم الحكم بصرف تعويضات مادية كبيرة من ميزانية المؤسسة لصالح الموظف الذي كسب القضيّة، مما يضاعف الأعباء المالية على المؤسسة، ولو تم إلزام المسؤول الذي تسبب في إصدار القرار التعسفي ضد الموظف بدفع تكاليف التعويضات المادية للموظف الذي تظلم ضد قراره وكسب قضيته بحكم المحكمة حتى ولو بنسبة 50 بالمائة، واحتسبت عليه ضمن قصور أدائه الوظيفي وعدم إحساسه بالمسؤولية، لكانت ذات أثر بالغ على المسؤول في تصحيح أوضاع المؤسسة، واستشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، ولن يكون أمامه سوى خيار ترجيح المصلحة العليا للمؤسسة وليس ترجح مصالحه الشخصية ومصالح من يحب وهو الواقع الذي تعيشه معظم مؤسساتنا وللأسف الشديد.

فبرغم كل ما سمعناه عن طلبات الاستقالة التي تقدم بها موظفون في القطاع الحكومي، فلم نسمع أن هناك حالات مطمئنة يطلب منها رئيس الوحدة الموظف الذي طلب الاستقالة ليحاول إقناعه بالعذول عن قرار الاستقالة، بينما في القطاع الخاص هناك حوافز تغدق على الموظف للعذول عن تقديم طلب الاستقالة خصوصًا إن كان لديه خدمة عملية طويلة وله أثر مباشر في القيمة المضافة للمؤسسة بل يسأل عن لماذا قدم استقالته ؟!

أحد المسؤولين في إحدى المؤسسات الحكومية حاول توظيف تقنياته اليائسة ويبرر ظلمه لأحد موظفيه الذي كان عينه البصيرة وحرفه الذي ينقش به اسمه ويتلألأ في بطون الصحف وتتصدر أخبار مؤسسته العناوين فقال له: "لم يكن لك حظ في الوظيفية الإشرافية" ومن ثمّ يستفهمه عن أسباب انخفاض أدائه الوظيفي بل وتراجع أداء القسم الذي يعمل فيه، تناسى ذلك المسؤول أنّ بقدر قراراته الخاطئة ستأتي النتائج بغير الطموح الذي يلوذ به ويترجاه، وتناسى أيضا أنّ أصحاب العزائم والهمم العالية لا يتأثرون بالتيّارات الكيديّة.

لماذا قدموا استقالاتهم؟ ليت هذا السؤال يتردد في أذهان المسؤولين في مؤسساتنا حينما يشعرون بحالة استنفار من الموظفين لتقديم طلبات الاستقالة، ليت المسؤولين يعون أهمية استثمار الطاقات البشرية في مؤسساتهم! ليتهم لا يجاملون ولا يغلبون مصالحهم الشخصية ومصالح من يعرفونهم أمام هامة الوطن وكبريائه ومصلحته العليا؟

دمتم ودامت عُمان بخير،،،

 saif5900@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك