البنائية أسلوب حياة

حميد بن مسلم السعيدي

يقول عائض القرني "الحياة مليئة بالحجارة فلا تتعثّر بها بل اجمعها، وابنِ بها سلماً تصعد به نحو النَّجاح"، حيث إنّ الحياة تُعتبر مدرسة تربوية نتعلم منها الكثير فيما يتعلّق ببناء حياتنا، فهي البيئة التي نستطيع من خلالها أن نعمل على الارتقاء بالإنسان، وهذا الارتقاء لا يأتي إلا من خلال العمل على الاكتشاف والابتكار، بحيث يحدث التطور والرُقي في حياته، وهو لا يتوقف عند مدى معين، فمنذ وجود الإنسان على وجه المعمورة وأنماط الحياة تتغير باستمرار؛ لأنّ هناك رغبة في التجديد للأفضل وبناء حياة بصورة أكثر حداثة، مما أسهم في وصول العالم للمرحلة التي نعايشها اليوم وهي مرحلة متطورة في كل مجالاتها، فمنظومة الحياة قائمة على ظهور حضارات واختفاء أخرى، وهذا السلوك والنمط الحضاري هو جزء من منظومة حياتية يُدار بها الكون، مما يؤدي إلى حدوث تطور بين فترة وأخرى، وهذا نتيجة للرغبة في البناء وتحقيق المنافسة في البقاء وإظهار القدرات والرغبة في السيطرة والتحكم من خلال امتلاك عوامل القوة والمنافسة، وكلما اتجهت هذه الحضارات والشعوب للاعتماد على الآخرين كان ذلك من بوادر الانهيار والضعف، ثم تبادل الأدوار لتظهر حضارات وشعوب أكثر تقدمًا.

وهذه المنظومة هي نفسها التي يجب أن تنعكس على حياة الفرد؛ حيث إنّ الاعتماد على الذات يُسهم في تحقيق الرؤى والأهداف، ويُعطي الفرد دافعية لبناء حياة أكثر تطورًا وحداثة، من خلال تبني منهجية فكرية ابتكارية عملية تسعى إلى الرقي بحياة الفرد، وهذا يحتاج للعمل والمُبادرة والرغبة في العطاء، دون الاعتماد على الآخرين في تحقيق أهدافنا أو القيام بمشاريعنا وأعمالنا الخاصة؛ حيث إنّ الاعتماد عليهم يجعلنا استهلاكيين لكل شيء حتى أسهل الاحتياجات نظل بحاجة إليهم، وهذا الواقع الذي نعيشه اليوم من خلال قراءتي لأسلوب الحياة في المجتمع، فنحن نعتمد على الوافدين في إنجاز كل ما يتعلّق ببناء حياتنا، حتى أصبحنا كسالى لكثرة ما نطلب منهم أن ينجزوه من أبسط ما نحتاج، وهم في ذات الوقت يتعلمون ويكتسبون الخبرة، لأنّ الكثير منهم حضر إلى هذا البلد لا يمتلك شهادات ولا خبرات ولكنه تعلّم هنا نتيجة الحاجة، وهو ما دفعه لتعلم كل شيء فتجد أن أحدهم يخبرك أنّه قادر على إنجاز كل ما تطلب منه وبكفاءة، فتجدهم يقدمون خدمات متنوعة، حتى أبسط الأمور نعتمد عليهم فيها رغم بساطتها وسهولتها إلا أنّ هاجس الخوف أو عدم الرغبة في العمل يدفعنا للاعتماد عليهم مقابل أن ندفع مبلغًا مادياً مقابل تلك الخدمة، في حين أننا نستطيع أن نوفر ذلك المبلغ وندَّخره لو قمنا بذلك العمل بالاعتماد على أنفسنا، فعلى سبيل المثال يتم تركيب شعلة المصباح بمبلغ يتجاوز الخمسة ريالات، في حين أنّ استبدالها لا يستغرق سوى ثوانٍ معدودات، فلماذا نعتمد عليهم؟ لماذا لا نُعلم أبناؤنا القيام بذلك؟ فهو لا يحتاج إلى عبقرية أو تخصصية لاستبدال شعلة للمصباح، على العكس لو اعتمدنا على أنفسنا فإننا نتعلم أن نقوم بعمل أكبر منه بصورة تدريجية، حيث يحدث تعلم بنائي يكسبك الخبرة في التعامل مع مواقف أخرى مشابهة لتلك المواقف، هذا المنهج الذي يجب أن يصبح جزءًا من حياتك وتنقله بصورة مهارية لأبنائك هنا يصبح التعلم بنائياً، فيوماً ما لا قدر الله قد تقع في مشكلة ما وقد لا تجد من يساندك في معالجتها، فعليك الاعتماد على ذاتك في مواجهتها، وإذا لم تكن على معرفة سابقة أو تجربة مشابهة لها، فستظل في انتظار أحدهم وقد يطول الانتظار، ولكن لو كانت لديك معرفة سابقة ستجد نفسك قادراً على معالجتها والانتقال لمرحلة أخرى من حياتك، هذا المنهجية هي التي تبنتها العديد من دول العالم التي تُعاني من الكثافة السكانية العالية في تهيئة مجتمعاتها بالاعتماد على ذاتها، ثم الانتقال لمرحلة أخرى تتمثل في التركيز على الإنتاج الذاتي وتحقيق الاكتفاء مما ساهم في النمو الاقتصادي ليس على مستوى الأفراد، وإنما على مستوى الدول، واليوم في ظل ما نُعاني من مرحلة اقتصادية غير ثابتة تتطلب منّا أن نكون أكثر مقدرة على التكيف مع الأوضاع بما يُحقق لنا المستوى المعيشي الذي يتناسب مع احتياجاتنا، لذا فإنّه من السهل الاستغناء عن بعض الخدمات والقيام بإنجازها بأنفسنا، ويُمكن أن نتعلم بعضاً منها من خلال التعلم الذاتي بالولوج إلى محركات البحث التي تُتيح لك التعلم الذاتي من خلال القراءة أو المشاهدة لكل ما تحتاج إلى معالجته، فعالم الإنترنت عالم افتراضي تعليمي يقدم لك كل ما تحتاج إليه، فقط تحتاج للإرادة والثقة في الذات بالقدرة على القيام بإنجاز ما ترغب في إنجازه، هذا الفكر هو ما يجب أن نقوم به في العملية التعليمية بأن نرسخ فكر اعتماد الطلبة على أنفسهم في القيام بأعمالهم دون الحاجة للاعتماد على الآخرين، مما ينشئ جيلا قادرا على العمل بصورة أكثر إيجابية، مما ينعكس على النمو الاقتصادي ويُقلل من الفاقد نتيجة وجود الأيدي العاملة الوافدة، فالعملية ليست بتلك الصعوبة التي يراها البعض فنحن نستطيع أن نتعلم من خلال العمل على مواجهة المشكلات التي تواجهنا بصورة يومية مما يكسبنا منهجية بنائية في التعلم، خاصة وأنّ الكثير من الأعمال يستطيع الفرد القيام بها بنفسه دون الحاجة للاعتماد على الآخر، وهذا النهج هو الذي يفترض أن يتبناه الجميع.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك