حرفيونا .. كيف نكافئهم؟!

سيف بن سالم المعمري

saif5900@gmail.com

أتاحت لي المشاركة في الرحلة التي نظمتها جمعية الصحفيين العُمانية لجزيرة مصيرة بمحافظة جنوب الشرقية المجال للتعرف على ما تزخر به هذه الولاية العريقة من مقومات سياحية ومعالم حضارية تحكي قصة كفاح عاشها الإنسان العُماني وتواصل بها مع العالم عبر غياهب البحار وطوفانه ومدّ بها جسور الصداقة والتبادل التجاري مع الشعوب في شمال أفريقيا وبلدان الهند والخليج العربي، وبالإضافة إلى ما تزخر به جزيرة مصيرة من شواطئ خلابة وما تحتضنه من تضاريس متناغمة تنتظر أن يدلف السائح إلى ثناياها وتوجه أنظار المستثمرين لإقامة المشاريع السياحية الواعدة، هناك الإنسان العُماني الذي خلد التأريخ علو همته وشغفه بالأسفار وحبه للبحار وصناعة السفن.

ولقد استوقفني أحد الذين أفنوا شبابهم ونذروا حياتهم لمعانقة البحر ومجابهة الأخطار بحثاً عن لقمة العيش والمحافظة على تراث الأجداد وصنعتهم حيث هيأت لي مشاركتي في الرحلة إلى جزيرة مصيرة زيارة الحرفي خليفة بن علي العريمي في منزله بالجزيرة والذي اتخذ من ذلك المنزل المتواضع مسكنًا - يأويه هو وزوجه وطفلتيه اللتين لم تتجاوز أكبرهما الثامنة - بالإضافة إلى كونه ورشة لصناعة السفن، ومعرضًا لبيع ما تنسجه أنامله من إبداع في صناعة السفن التقليدية كالغنجة والسمبوق والبوم والبدن وهي من نماذج من السفن التي تشتهر بها السلطنة.

والحرفي خليفة العريمي من مواليد مدينة صور وقد انتقل منها واستقر به الحال في جزيرة مصيرة في عام 1985م- حسب إفادته - وقد ركب البحر مع والده وهو في العاشرة من العمر ورافقه في رحلاته وأسفاره بحثًا عن لقمة العيش، حيث تهيأت له زيارة موانئ بلاد الهند وشرق أفريقيا وبلدان الخليج العربي كالبصرة والكويت، وشهد الطوفان في منطقة رأس الحد أثناء ركوبه البحر مع والده في رحلاتهم إلى شرق أفريقيا في السبعينات من القرن الماضي.

والحرفي خليفة بن علي العريمي يختزل في ذكرياته تاريخًا شفهيًا بحريًا خالداً، ولا يزال محافظاً على صناعة السفن التي اكتسبها من والده، ومن يدلف إلى منزله المتواضع جداً يتأسف كثيراً على عدم التفات الجهات المسؤولة في الدولة إلى القيمة المعنوية لهذا الحرفي الماهر، الذي لا تتناسب حالته الاجتماعية مع الاهتمام الذي توليه الحكومة بتوفير سبل العيش الكريم والمسكن الملائم للمواطن على هذه الأرض الطيبة، وإن كان العريمي عفّت نفسه عن طلب المسكن الاجتماعي الذي يستحقه من الجهات المسؤولة في الدولة، فإنّ ذلك لا يعني أن يتم استثناؤه وحرمانه من مسكن يأويه هو وأسرته ويقيهم حر الصيف وبرودة الشتاء والأمطار، وهو نداء عاجل نوجهه إلى وزارتي الإسكان والتنمية الاجتماعية لتقييم حالته حتى يأوى في منزل مسقوف بالمواد غير الثابتة، كما أنّ شغفه بصناعة السفن والحفاظ على هذا الموروث، وكفاحه للحفاظ على هذه الحرفة ليكسب منها قوته هو وأسرته، وتخصيصه لإحدى زوايا منزله -المتواضع جداً- لصناعة السفن التقليدية وتسويق ما أبدعت يديه الذهبيتين، لا يعني أن يتم تجاهل دوره ومكانته الحضارية وعدم الاستماع إلى مطالبه في تحويل أرض منزله من كونها سكنية إلى أرض تجارية سكنية أسوة بجيرانه، كما نلتمس من الجهات المعنية تحفيزه وتوفير الدعم الذي يحتاج إليه في صناعة السفن التقليدية من المواد والأدوات التي تعينه على مواصلة العمل في هذه الحرفة التقليدية العريقة، ولم لا يتم منحه أرضاً خاصة وتتم تهيئتها لتكون ورشة لصناعة السفن ومعرضا لعرض صناعته وتسويقها؟ ودعوة الشباب للاستفادة من خبرته في صناعة السفن حتى تتناقلها الأجيال، وهل اكتفت الهيئة العامة للصناعات الحرفية بصرف بطاقة حرفي لهذا الرجل المكافح فقط؟ ما الدور الذي قامت به الهيئة لدعم الحرفي خليفة العريمي للحفاظ على هذه الحرفة؟ لماذا لا تقوم الهيئة بتوفير بيئة حرفية ملائمة للحرفي خليفة العريمي؟ وهل البيئة التي يعيش فيها العريمي الآن ملائمة للحفاظ على حرفته؟ هل هيأت الهيئة للعريمي المشاركة في المعارض والمهرجانات المحلية والدولية؟ هل اكتفت الهيئة بتكريم العريمي بمبلغ 500 ريال عُماني فقط؟

كما أن هناك جهات أخرى يجب ألا تغفل عن الدور الذي يقوم به الحرفي خليفة العريمي وأمثاله كوزارة التراث والثقافة وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، فيمكن أن يتم توثيق خبرة العريمي في الإصدارات والتراث الشفوي الذي تعكف السلطنة على الحفاظ عليه وضمان تناقله للأجيال، ولماذا لا تقوم وزارة التراث والثقافة ووزارة السياحة وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالبحث والتقصي عن الحرفيين وأصحاب التجارب الحضارية من أبناء عُمان الماجدة وتكريمهم ومكافأتهم على ما قدموه من مجد وتاريخ لهذا الوطن العزيز.

كما ينبغي على المؤسسات الإعلامية إبراز مثل هذه التجارب الحضارية التي يفخر بها الوطن.

ويبقى الحرفي خليفة بن علي العريمي أحد النماذج المشرفة للإنسان العُماني المحب لوطنه والمتشبث بتراثه وموروثه الحضاري ولتبقى مسؤوليتنا جميعاً أن نكافئهم بما يستحقون.. !

تعليق عبر الفيس بوك