قابوس.. السلطان الأبيض وعمان سويسرا العرب السياسية

د. حكم أمهز

كنت في ريعان الصبا وأنا أشاهد عبر التلفاز رجلا ذا وجه جميل يتحلّى بسمرة الصحراء العربيّة وهو مسكون بالهدوء والثقة..

وعندما بدأت العمل في مجال الإعلام والسياسة، تعرّفت أكثر على هذه الشخصية وأعجبت بسياسة هذه القامة العربية المميزة، التي لو قيض للدول العربية رجال مثلها، لكانت الآن في مصاف البلدان الحديثة، ومثالا يحتذى في صيغ الترابط والتآلف والنمو والتطور.. ومع الأيام تزداد معرفتي بالسلطان قابوس بن سعيد، سلطان سلطنة عمان.. وأنا أواكب مواقف هذا السلطان، وأراجع تاريخه ودوره المميّز في قيادة بلاده وشعبه، وحل أزمات المنطقة، وعلاقاته مع الجيران العرب وغير العرب.

اشتدّ إعجابي بسياسته، خصوصًا مع بدء الأزمات العربيّة قبل نحو خمس سنوات. وبعد اطلاع دقيق على سياسته وإدارته، وجدت أنّه يستحق وعن جدارة، لقب السلطان الأبيض.

سلطان أبيض في زمن أسود من الزعماء.. سلطان ذو قلب أبيض في زمن زعماء ذوي قلوب ظلماء خائنة لدولها وشعوبها، سلطان أبيض في زمن قادة خنافس العتمة السياسيّة ..

سلطان أبيض أخرج شعبه وبلاده من الجهل إلى النور، ومن التخلّف إلى التقدم، ومن الانحياز الأعمى إلى الحياد الموضوعي والمنطقي القائم على فهم الواقع واللعبة الدوليّة، وهذا ما منح عمان وعن جدارة أيضًا لقب سويسرا العرب في الحياديّة، وحل الأزمات العربية والإقليميّة، وفرضت نفسها طوعًا، وسيطًا نزيهًا لا يستطيع طرف أن يرفضها.

وأكثر من ذلك، تحلّى السلطان المحنك بشجاعة الموقف، فمشهد الهدوء المرسوم على محيا السلطان قابوس، يؤكد على أنه سلطان قوي صلب، وأن خلف وجهه الساكن، بركان غضب، يتحرك عند الحق، لينصف المظلوم ويردع الظالم.

لماذا تميّز حاكم عمان عن غيره من الحكام العرب، وفرض نفسه محترمًا وعادلا عند الجميع، وحكما نزيهًا مقبولا غير مرفوض؟

إنّ بعض الحكام العرب ممن كان من المفروض أن يكون أبا لهذه الأمّة، لم تتوفر فيه صفات القيادة والعدالة، فبعض القادة أميّون لا يجيدون القراءة والكتابة، وبعضهم تخلّى عن سيادة قراره وانقاد دون تردد للغرب، وآخر لم تتوفر له مقوّمات لعب دور لأسباب ومعوّقات خارجية وداخلية

أما قابوس فركب حصان العلم شابا، ونهل من معين كبريات الكليّات العسكريّة البريطانية.. مخر عباب الثقافات الغربية، وفهم الغرب وسياسته، وأدرك نظريات الحكم والعلاقات الدولية بعد أن جال وهو في العشرينيات من عمره معظم الدول المؤثرة والكبيرة على مدى ثلاثة أشهر متواصلة.

سخّر الكثير من الوقت لقراءة الكتب، في مختلف المجالات وتعمّق في تاريخ بلده عمان والبلاد العربيّة، وغاص في بحر الأفكار السياسيّة والفلسفيّة لأبرز المنظّرين العالميين، ليتخرّج من كل ذلك سياسيًا فذا، مدركًا أبعاد التجاذبات الأممية والإقليمية، ومميزًا نفسه، عن صنف الحكام في بعض البلاد العربية. ليرقى بها إلى مستوى الزعماء الحقيقيين، المشهود لهم دوليا.

خبرة وتجربة السلطان وضعت عمان في نقطة وسطى دوليًا، لا تنفلت من جاذبية الاستقطاب الدولي ولا تنجذب إليها، فمسقط لم تلتصق ولم تنفك عن الدول الكبرى كأمريكا وروسيا ولا غيرها.

وعليه لعب السلطان دورًا أبيض في حل الصراعات الإقليمية والدولية، وكان له فضل كبير في حل أزمة البرنامج النووي الإيراني مع الغرب..

لم تتلوث يداه بدماء الشعوب العربية كما غيره من الزعماء، فهو لم يعمل على إسقاط أنظمة، ولم يسلح الإرهابيين في دول الأزمة العربيّة، ولم يموّل التكفيريين لذبح العرب والمسلمين، ولم يجعل من وسائل إعلامه منبرًا لأبواق الفتنة والتحريض المذهبي والطائفي؛ ولم يتآمر على أبناء دينه وعروبته مع الغرب..

وفّر الاستقرار والأمن والتنمية الاقتصادية لبلاده، فنعمت عمان بما لم تنعم به كل الدول العربية.

وبعد كل هذا، أوليس هذا الرجل استثنائيًا في زمن استثنائي؟

Hakamamhaz@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك