سوريا عصية على التقسيم

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يتهافت العدو الصهيوني ورعاته وأدواته اليوم على إظهار سوريا كغنيمة حربٍ لهم بعد عقود من العصيان والتحدي والكبرياء، ويوظفون جميع أبواقهم لإيصال رسالة الى النظام الرسمي العربي بأن مصير من يواجه الكيان سيكون مصيره كمصير الرئيس بشار الأسد، وسيكون مصير بلاده كمصير سوريا اليوم.

ما حدث لسوريا حالة خاصة؛ فهي لم تسقط في حربٍ بالوكالة برعاية "الناتو" ودعمه كحالة ليبيا، كما لم تقع تحت احتلال أجنبي مباشر كحال العراق؛ بل أُسقطت الدولة والنظام معًا بتوافق إقليمي ودولي، وهذه حادثة غير مسبوقة في تاريخ التحالفات وقواعد الحروب المتعارف عليها؛ سواء بالوكالة أو الحروب الأهلية.

سقوط الدولة في سوريا لم يكن ليتحقق لولا "طوفان الأقصى" واستشعار العالم الداعم للكيان الصهيوني والمبارِك لوجوده من الغرب والشرق بحتمية زواله، فكان لا بُد من مساعدة الكيان والتخفيف عنه والعمل على إطالة عمره الافتراضي قدر الإمكان. التوافق الدولي قد يختلف في كل شيء ويحترب على أي شيء، لكنه يتفق على ضرورة حماية الكيان الصهيوني ومده بعناصر القوة والبقاء والتوسع على حساب العرب.

التاريخ يُحدثنا عن الكثير من الشواهد التي خُذِلَ فيها العرب من قبل من يصنفون بأنهم حلفاء أو أصدقاء لهم، حين يتعلق الأمر بمواجهة الكيان وتحرير فلسطين.

سقوط الدولة في سوريا كان لصالح العدو بالدرجة الأولى، ولن ينال الشركاء الظاهريين في المؤامرة سوى الفُتات وجوائز الترضية؛ لأن وجودهم لم يكن سوى "كومبارس" على مسرح الأحداث لذر الرماد في العيون، وللتسويق بأن سقوط سوريا كان ضرورة لترتيب أوضاع وهيكلة قضايا مُلحة أخرى في المنطقة والعالم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر القضية الأوكرانية.

أُسقطت سوريا وعربد الكيان الموقت وحيدًا في جغرافيتها وسمائها وبحرها دون حسيب أو رقيب؛ بل ودون أي فعل يوحي بوجود شركاء ورعاة مصالح في سوريا؛ الأمر الذي يبرهن أن إسقاط سوريا كان ضرورة إقليمية ودولية للتنفيس عن الكيان وتخفيف الضغط عليه من آثار الهجمات اليومية من الجغرافية العربية الأربع المعروفة: غزة، ولبنان، واليمن، والعراق.

لم تكن سوريا عُقدة مواصلات وإمداد سخي لمحور المقاومة فحسب؛ بل كانت خزين سياسي وفكري وثقافي له كذلك.

منطق الأحداث وسيرتها يقول إن على الاحتلال الجهر بنصره والقيام بخطوة أخرى تتمثل في احتلال سوريا وضمها إلى فلسطين، كلَبِنة ثانية في مشروع ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى"، لكن يبدو أن هذا السيناريو- وفق رؤية الرعاة والداعمين- غير ممكن تحقيقه ببساطة على أرض الواقع، ولا آمن للعدو، طالما بقيت جبهات المواجهة الأخرى خامدة، والجبهة السورية في حالة امتصاص للصدمة وترتيب أوراقها للمقاومة وفتح جبهة نار خامسة على العدو. لهذا يُسارع الرعاة اليوم إلى طرح مُبرِّرات كثيرة عن أسباب إسقاط الدولة في سوريا دون الحديث عن دورهم التوافقي في ضرورة حماية الكيان الغارق ومد يد العون له قبل زواله الأبدي.

التقارير المُسرَّبة اليوم عن المواجهة الأخيرة بين الكيان وإيران، برهنتْ على أن القصف الإيراني كان كفيلًا بمحو الكيان من الوجود، لو استمر مدة أطول من المدة المعروفة؛ حيث تلقى الكيان ضربات موجعة ومركزة ومُدمِّرة في عمقه وفي أماكن حساسة من بُناه العسكرية والأمنية والمدنية، لهذا سارع الوسطاء إلى إبلاغ إيران بضرورة التوقف وإلّا سيُجبر الرعاة على الخيار النووي للحفاظ على ما تبقى من الكيان. وهذا سبب آخر يُضاف على سابقه وهو استشعار الزوال من قبل قادة الكيان ورعاته بفضل "طوفان الأقصى" وارتداته العنيفة.

كل ما يقوم به العدو اليوم من عدوان وقتل ودمار واستعراض ليس سوى صرخة ألم من وجع الطوفان غير المسبوق، كما يمثل ثأرات استباقية للطوفان القادم المرتقب والذي سيكون كارثيًا على الكيان، وبحسابات دقيقة جدًا لمحور المقاومة لكل فعل وردة فعل متوقع من قبل الكيان ورعاته في المواجهة القادمة.

قبل اللقاء.. المنتصر لا يُفاوِض، ولا يطلب هُدنًا موقتة ولا طويلة؛ بل يحسم الأمر على الأرض ويفرض شروطه، والكيان اليوم أُجبر على كشف جميع أوراقه دفعه واحدة في سبيل البقاء، لهذا لم يتبقْ له من أسرار ولا غموض ولا مفاجآت.

وبالشكر تدوم النعم.

الأكثر قراءة

z