ضرورة إدارة المخاوف بين أقطار الخليج وإيران

 

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

نظرية إدارة المخاوف هي إطار نفسي يوضِّح كيف يُدير البشر القلق الأساسي الناجم عن الوعي بفنائهم، وذلك عبر تبني أنظمة معتقدات ثقافية (مثل الدين أو القومية) وتقدير الذات؛ مما يُوفِّر إحساسًا بالخلود الرمزي أو المعنوي، وتعد هذه النظرية محورية لفهم السلوك البشري في سياقات اجتماعية، وأكاديمية، وسياسية مختلفة.

المخاوف من الموت- مثلًا- طبيعية كحالة حتمية للإنسان، لكن سيطرتها عليه تتحول إلى حالة مرضية تُعجزه عن فهم رسالته وأدائها في الحياة، لذا تأتي أهمية تقديم الحياة على الموت كونهما مسلمتان لا مناص ولا خيار للإنسان منهما.

وحين نُسقط هذه النظرية على واقعنا السياسي اليوم، وخاصة ما يتعلق بعلاقات أقطار الخليج مع إيران ما بعد الثورة 1979، نجد العديد من المخاوف تحكم علاقة الطرفين وتُبنى عليها مواقف سياسية مُعيقة للفهم أو التفاهم في كثير من الأحيان. وبمعزلٍ عن الدور الغربي في تهويل هذه المخاوف لدى أقطار الخليج، وبمعزل كذلك عن دوره الرئيس في استنبات منظومة مجلس التعاون في مايو 1981 من رحم أزمة انتصار الثورة في إيران عام 1979، بقصد خلق تكتل سياسي موالٍ للغرب لمواجهة إيران، إلّا أنَّ المتتبع للمقارنة بين المنظومتين الخليجية والإيرانية سيجد العديد من الاختلافات التي تحوَّلت الى خلافات تصل في حدتها الى حد التصادم أحيانًا، وتُعبِّر في عمقها عن غياب التفهم والتفاهم بين الطرفين، وتعدد المخاوف والتي تسلل من خلالها الراعي الغربي ليُعمِّقها ويزيد الفجوة والجفوة بين الطرفين.

حجم أقطار الخليج وحداثة نشأتها وقلة خبرتها التراكمية في مجاهل السياسة، أخافها من قيام ثورة على الساحل المقابل ذات طابع ديني مذهبي، وزادتها وعمقتها البروباجندا والتقارير الغربية، بينما كانت "إيران الشاه" دولة علمانية تدور في فلك الغرب وتتقاسم عددًا من السمات في نظام الحكم والتحالفات مع أقطار الخليج. ورغم فلتات إيران الشاه وتهديدها الواضح للأمن القومي العربي برمته بتحالفها الصريح مع كيان العدو، وكونها القدم الثانية في استراتيجية ما عُرف بـ"مبدأ غوام" أو مبدأ نيكسون (1969م) لحماية ورعاية المصالح الأمريكية في المنطقة، بعد أن خرج الراعي الأمريكي من حرب فيتنام مُصابًا بأعراض عجز القوة.

إيران اليوم بحاجة الى مخاطبة النخب الثقافية والسياسية في الخليج بخطاب عقلاني موثوق كمحاولة لفتح كوة في جدار الخلافات الناتجة في الأساس من تراكم المخاوف الناتجة عن سوء الفهم والتفسير بين الطرفين، بدلًا من ممارسة دبلوماسية القمة لتحقيق ذلك الهدف. أقطار الخليج كيانات صغيرة المساحة والسكان مقارنة مع إيران، وأي شبهة "للتمدد" الإيراني أو توظيف فائض القوة سوف يُقرأ كتهديد خطير لتوازن القوى البنيوي في المنطقة، فالمخاوف الخليجية مشروعة، ولكن طريقة إدارتها ومعالجتها خاطئة.

ويُفترض من أقطار الخليج أن تنظر بإيجابية الى النموذج الإيراني كنموذج سياسي وطني جاذب في مأسسته ومقاومته وصموده وخياراته السيادية، بدلًا من النظر الى ذلك على انه محرض ومحفز لبعض النُخب في اقطار الخليج وضار بالدولة الوطنية الخليجية وتحالفاتها وخياراتها السياسية.

إيران- مثلًا- لا يمكنها إغلاق مضيق هرمز كونه ممرًا ملاحيًا دوليًا تتقاسم مسؤوليته مع سلطنة عُمان مع وجود ممر دولي بينهما، ولكن يمكنها تهديد الملاحة فيه في حال تعرض أمنها القومي لخطر يتطلب الإقدام على تلك الخطوة قسرًا.

كما إن أقطار الخليج تتخوف من توظيف إيران للعاطفة المذهبية بداخل المُكوِّن الشيعي بداخلها، وهذا الخوف مرده أمني/ اجتماعي وليس مذهبيًا، فلو كان من أهداف الثورة تصدير التشيُّع لكان أولى بها نشره في أوساط الطيف السني الكبير بداخل إيران أولًا. ويجب أن تؤمن أقطار الخليج بأن بقاء "إيران الثورة" وعقيدتها السياسية والعسكرية يصب في مصلحتها ويحميها من أطماع ظاهرةٍ وباطنةٍ من أعداء في العلن وغيرهم ممن يتحينون الفرص؛ لأن تعرُّض أقطار الخليج لأي مخاطر يعني تهديد أمن إيران مباشرة بحكم الجوار الجغرافي اللصيق، كما إن تغيير النظام في إيران والإتيان بنظام موال للغرب- كمثال- سيجعل أقطار الخليج في ذيل اهتمامات الغرب، كما كان الحال في عهد الشاة، وسيتم تنصيب إيران كشرطي للمنطقة من جديد وشريك للكيان بدلًا من حليف وشريك في المخاطر والاستقرار وكما هو الحال اليوم.

قبل اللقاء.. العدو لم يتسلل عبر حدودنا؛ بل عبر عيوبنا.

وبالشكر تدوم النِعَم.

الأكثر قراءة

z