حين يُهمَّش القلم.. من يكتب لعُمان؟

 

 

 

عصماء بنت محمد الكحالية

الكاتب ليس ناقلًا للكلمات، بل صانعُ وعيٍ، وحارسُ هوية، ومهندسُ فكر. يبني بالأحرف صروحًا من الإدراك، ويوقظ في السطور ضمير الأمة. والقلمُ؟ ليس خشبةً صمّاء، بل شعلة مسؤولية وشرارة تغيير. في عُمان، لا يزال القلم يكتب بإخلاص، لكن الطريق أمامه بات أكثر وعورة. بين الحلم والمطبعة، يقف الكاتب العُماني مثقلًا بالهموم، ومُحاطًا بتحديات تُكبل صوته وتؤخّر رسالته.

فهل أصبحت الكتابة رفاهية؟ أم أن الثقافة باتت خيارًا جانبيًا؟ ارتفاع تكاليف النشر والطباعة، تضييق قنوات التوزيع، وغياب الدعم المؤسسي الحقيقي، كلّها عوامل جعلت من إنتاج الكتاب العُماني مُغامرة محفوفة بالتأجيل أو الانطفاء. نحن لا نطلب امتيازًا... بل نُطالب بما هو بديهي: أن لا يتحوّل النشر إلى عبء مالي يكسر ظهر المبدع. أن لا يُقصى الكاتب عن جمهوره بسبب سعر كتابه. أن لا يُكافأ العمل الثقافي بالتجاهل أو التهميش. إذا كنَّا نطمح إلى شعب قارئ، فليبدأ ذلك من رعاية من يكتب. الكاتب لا يحتاج تصفيقًا، بل بيئة عادلة، ومساحة يُحترم فيها جهده، ويصل فيها صوته. الكتاب ليس سلعة ترف... بل مشروع وطني. في كل كتاب يتم دعمه، هناك فكرة تُنقذ، وعقل يُنار، وجيل يُبنى.

أما حين يُترك الكاتب يُصارع وحده، فإننا لا نخسر نصًا، بل نخسر وعيًا بأكمله. والوجع لم يعد خفيًا: تكلفة النشر تُرهق المبدع. القارئ يتراجع أمام الأسعار. السوق الثقافية تختنق بين إنتاج بلا دعم، ومحتوى لا يُعرض. وهنا نُطالب بتحرك فعلي لا شعارات: دعم مؤسسي حقيقي ومستدام للطباعة والنشر المحلي. مبادرات مكتبية تُبرز الإنتاج العُماني وتضمن وصوله للمجتمع. معارض كُتب تُبنى على أهداف معرفية واضحة، لا مجرّد مظاهر احتفالية. نحن لا نكتب بحثًا عن المجد؛ بل نكتب لأننا لا نُجيد الصمت حين يصمت كل شيء. نكتب لأنَّ الكلمة عندنا ليست هواية؛ بل عهد.

ولأنَّ هذا الوطن يستحق أن يُروى بحبر الوفاء، لا أن يُختزل في هوامش التجاهل. نكتب لأننا نؤمن أنَّ الفكر لا يزدهر بالتمني، وإنما بالتمكين، وأن القلم العُماني لا يجب أن يُترك وحيدًا في معركته. مطالبنا ليست ترفًا، لكن نبض حياة ثقافية تختنق. وصوت الكاتب العُماني لن يخفت، لأنَّ صوته ليس صوته فقط... بل صوت وطنٍ يُريد أن يظلّ حيًا في ذاكرة الكلمة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة