حين تتكالب الأمم لاستهداف إيران واغتيال روح الأمة

 

 

زكريا الحسني

نحن اليوم لا نعيش لحظة عابرة ولا نمر بأحداث غير متصلة كما ربما يظن البعض؛ بل نحن في قلب معركة كبرى، معركة وجود وهوية، ومعركة يُراد بها تمزيق هذه الأمة وتفتيت قواها وتحطيم ما تبقى من شموخها وعزتها.

إن ما يحدث اليوم في إيران وما جرى قبلها في العراق وسوريا ولبنان ليس مجرد صراعات محلية أو خلافات مذهبية؛ بل هو امتداد لمشروع متكامل طويل الأمد يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة برمتها وفق مصالح القوى الاستعمارية العالمية وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل.

ولذلك فإن الوقوف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه اللحظة ليس موقفًا سياسيًا عابًرا؛ بل واجب شرعي وأخلاقي، وامتداد للوعي بأبعاد المعركة، فمن يتصوَّر أن ما يجري اليوم محصور في حدود إيران أو مذهبها، يقرأ المشهد بعين واحدة، ويغفل عن الخريطة الحقيقية للصراع.

الشرق الأوسط ليس مجرد رقعة جغرافية؛ بل هو قلب العالم النابض، فيه أعظم ثروات الأرض من النفط والغاز، وفيه أعظم المُقدسَّات، وأهم الممرات البحرية والاستراتيجية من مضيق هرمز الى باب المندب، ومن قناة السويس الى الخليج العربي. وهذا الموقع وحده كفيل بأن يجعل منطقتنا هدفًا دائمًا لأطماع المُستعمِرين، فما بالك حين تقترن هذه الثروات بمخزون حضاري وتاريخي وروحي هائل يجعل من هذه الأمة- إن نهضت- قوة لا تُقهر؟

ولأنهم يدركون خطورة هذه الصحوة- إن حدثت- يسعون لإجهاضها بكل وسيلة، عبر الحروب والفتن وعبر الإعلام الذي يروج الأكاذيب ويؤجج الأحقاد ويحاول أن يصور كل مقاومة على أنها إرهاب وكل صوت حر على أنه خطر.

إنهم يريدون تفتيت كل قوة ناشئة، وإيران شئنا أم أبينا تُمثِّل اليوم أحد آخر معاقل الرفض والمواجهة في وجه المشروع الصهيوني الأمريكي.

إن إسرائيل هذا الكيان الغاصب لم يُزرع في المنطقة ليكون دولةً كباقي الدول؛ بل ليكون أداة وظيفية تُنفِّذ المهام القذرة نيابة عن القوى الكبرى، وتُمزِّق نسيج الأمة من الداخل، وتقتل بلا حسيب، وتخترق بلا رقيب، وتغتال العقول والضمائر والحدود، في زمن باتت فيه بعض العواصم العربية تؤوي سفاراتها وتصافح قتلتها وتتخلى عن فلسطين جهارًا نهارًا. لقد أصبحت إسرائيل رأس الحربة في مشروع إعادة تشكيل المنطقة وتسعى مع حلفائها لتدمير كل دولة تملك قرارها أو ترفض الهيمنة أو تحتضن مشروعًا مُستقلًا، ولأن إيران اليوم تمتلك أدوات القوة وتقف في خط المواجهة أرادوا كسرها سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا وعسكريًا بتواطؤ بعض من أبناء جلدتنا الذين استبدلوا بوصلتهم من القدس إلى تل أبيب.

وهنا لا بُد من أن نقف جميعًا موقف الوعي والثبات؛ فهذه ليست معركة طوائف ولا معركة حول الخلافات الحدودية؛ بل معركة كرامة ومعركة سيادة، معركة أُمَّة يُراد لها أن تنسى وأن تُحوَّل إلى سوق مفتوح ومسرح عبور لأجندات الآخرين.

لقد آن الأوان لأن ندرك أن التفرج خيانة، وأن الصمت تواطؤ، وأن من لا ينصر أخاه اليوم سيُؤكل غدًا "كما أُكِل الثور الأبيض"، فإن لم نحمل هَمَّ بعضنا وإن لم نحمل السلاح المعنوي والفكري في وجه هذا المشروع الخبيث، فإننا نسير نحو التهلكة بأقدامنا.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

فأين جسد الأمة اليوم من هذا الحديث؟ أين التكافل؟ أين المروءة؟ أين الأصوات التي تقف مع الحق بلا مواربة؟ إننا بحاجة الى يقظة شاملة تعيد ترتيب أولوياتنا وتعيد جمع كلمتنا وتوقظ فينا ما مات من العزة.

في هذه اللحظة المفصلية لسنا أمام خيار سياسي؛ بل أمام خيار وجودي، فإمَّا أن نقف مع المقاومة، ومع الكرامة، ومع السيادة، وإما أن نسقط جميعًا واحدًا تلو الآخر بلا صوت، بلا أثر، بلا ذاكرة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة