العدو .. موقف لا بُد أن يُقال

 

أحمد بن محمد العامري

ahmedalameri@live.com

في عالم تتبدل فيه التحالفات كما تتبدل الفصول، ويغدو الموقف السياسي سلعةً في سوق المصالح، يصبح من الضروري التمسك بالثوابت، والعودة إلى البوصلة التي لطالما دلتْنا على الاتجاه الصحيح: بوصلتنا الأخلاقية، والدينية، والتاريخية.

ليس من الطبيعي، ولا من المقبول، أن نجد في أيامنا هذه من يصفق لعدوان إسرائيلي على دولة جارة، كائنًا من كانتْ هذه الدولة. وإن أشد ما يثير الأسى هو أن يتماهى بعض العرب، أفرادًا أو أنظمةً، مع رواية العدو الصهيوني، ويبرروا عدوانه على إيران أو يفرحوا به، وكأنهم فقدوا كل حس بالانتماء، وكل اتصال بمبادئ الدين أو ضمير الأمة.

نحن لا نقدم دفاعًا مجانيًا عن السياسات الإيرانية، ولا نغض الطرف عما يشوب تدخلاتها الإقليمية من إشكالات وخلافات حقيقية. لكننا نؤمن بأن الخلاف، مهما اشتد، لا يبرر أبدًا الاصطفاف مع عدو وجودي، لا يفرق بين عربي ومسلم، ولا يميز بين عاصمة وأخرى في مشروعه التوسعي. إيران، بما لها وما عليها، يمكن تجاوز خلافاتنا معها- إن وجدت- عبر الحوار والمصالح المشتركة، أما إسرائيل، فهي كيان مؤقت وعدو دائم، وعداوتها ليست خيارًا سياسيًا، بل حقيقة تاريخية وعقائدية لا يمكن القفز فوقها.

لقد ظلتْ إسرائيل، منذ نشأتها، تمارس العدوان، وترتكب المجازر، وتعتدي على الأرض والهوية والذاكرة. ومع ذلك، نجد من يتغاضى عن هذه الحقائق، ويغرق في حسابات طائفية ضيقة، تجعله يغمض عينيه عن ماضي هذا العدو وحاضره المجرم ومستقبله القاتم. تلك الحسابات، مهما بدتْ براقةً لحظةً، فإنها لا تصنع سلامًا، ولا تحفظ كرامةً، ولا ترد عدوًا.

إن التحالف مع عدو مثل إسرائيل، أو التماهي معه، لا ينقلب إلا وبالًا على من يقدم عليه. فإسرائيل لم تكنْ يومًا حليفًا صادقًا، ولا شريكًا مأمونًا، بل تلونتْ عبر العقود، وبقيتْ ثابتةً في عداوتها لكل من لا يخضع لهيمنتها. ومن ظن أنه سينجو من شرها بالارتماء في حضنها، فقد خانتْه بصيرته، وخذلتْه تجربته بالتاريخ.

التاريخ يعيد نفسه. والعدو الذي يفرح البعض بعدوانه على إيران، هو نفسه الذي اغتال قادةً عربًا، وهدم مدنًا عربيةً، وشرد شعوبًا بأكملها. فهل ننسى كل ذلك لأننا نختلف مع طهران؟ وهل الخلاف يبرر الخيانة؟ وهل من الحصافة أن نغير تموضعنا بناءً على منطق اللحظة لا على عمق الفهم؟

نحن بحاجة إلى أن نعيد ترتيب المفاهيم، وأن نفهم أن الجار، وإنْ أخطأ، يبقى جارًا، يمكن مصافحته، ويمكن إصلاح العلاقة معه. أما العدو، فعداوته لا تزول، وشره لا يؤمن. ومن يبدل موقعه بين الجار والعدو، فقد فقد البوصلة، وسار في طريق بلا رجعة.

وفي زمن كهذا، يصبح السكوت عن هذا التزييف خيانةً، ويغدو الكلام واجبًا. علينا أن نعيد تعريف العدو والصديق، لا وفق العواطف أو الأهواء، بل بناءً على معايير الوعي والحق والتاريخ. فالعدو الدائم لا تغريه التنازلات، والعدو العابر لا ينبغي أن نصنع منه شبحًا دائمًا.

في الختام، تبقى إسرائيل العدو الأول، والدائم، والوجودي، مهما تعددت الخصومات الأخرى. وتبقى علاقاتنا مع جيراننا، مهما كانتْ معقدةً، قابلةً للإصلاح ما دام هناك عقل وحكمة. ولن تحفظ كرامة هذه الأمة، إلا إذا عرفتْ كيف تفرق بين من يختلف معها، ومن يريد اقتلاعها من جذورها.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة