د. محمد بن خلفان العاصمي
1- صلاة السلطان مع أبناء الشعب
السلطان المعظم- حفظه الله تعالى- يُؤدي صلاة العيد بين أبناء شعبه، وهو تقليد اعتاد عليه أبناء عُمان مع سلاطينهم، ويُجسِّد نوع العلاقة بين السلطان وأبناء شعبه، هذه العلاقة الخاصة التي تجذَّرت على الودِّ والمحبة والمسؤولية والمشاركة، وبُنيت على التقارب الذي هو أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتأتي هذه المشاركة في مثل هذا المشعر الديني وغيرها من المشاعر والمناسبات، كحالةٍ خاصة ميَّزت سلاطين هذا الوطن على مر التاريخ.
إنَّ المشاعر التي يحملها أبناء الشعب لسلطانهم المعظم هي مشاعر تقدير واحترام ومقام الكبير، والقائد الذي يسمع ويطّلع، والذي يُوكل له الأمر ويُسلَّم له زمام الأمور، ثقةً وإرادةً صادقةً وإيمانًا بسعيه للمصلحة العامة للوطن وأبنائه، ومعها يحمل السلطان مشاعر الأبوة لأبناء الشعب والمسؤولية التي يحملها ويضطلع بها تجاه الوطن والمواطن. ولذلك تكون هذه المشاركة الشعبية تجسيدًا للتلاحم والتقارب الذي يعيشه أبناء الوطن مع حُكَّامهم، وما يتبع ذلك من السلام عليه. هذا التقليد الذي استمر وسوف يستمر باذن الله تعالى من ولاية إلى ولاية.
2- السبلة في يوم العيد
لا مكان يُعلِّم السمت والسنع، كما تفعل السبلة في مجتمعنا العُماني؛ فالسبلة ليست بناءً مجردًا؛ بل هي سلسلة من القيم والمبادئ والتاريخ والعادات والتقاليد التي حفظت للمجتمع هُويته الثقافية والاجتماعية. والسبلة منذ القدم جمعت الكثير من الاحداث في المجتمع؛ فهي مكان كل مناسبة سعيدة كانت أم حزينة، كل التجمعات التي تُعزِّز أواصر المجتمع وتلاحُم أبناء القبيلة بالخصوص والمجتمع بالعموم. في السبلة يُشاهِد الأبناء دروسَ الحياة من الآباء والأجداد، تطبيقًا عمليًا، لا أقوال، وهناك تنتقل العادات والتقاليد الاجتماعية بين الأجيال.
وفي العيد تزدان السبلة لتُتَوِّج قمَّة فرحة العيد، عندما يجتمع أبناء القبيلة فيها، يتبادلون التهاني والتبريكات بمناسبة العيد السعيد، وينقلون عادات العيد للأجيال القادمة. وفي غمرة هذه الاحتفالات تُمارَس الطقوس العُمانية من فنون شعبية وتراثية، وعادات تتناسب مع المناسبة الدينية التي تجد التقدير والتقديس من أبناء هذا البلد المسلم. وهذه الشعيرة الدينية التي أمر الله تعالى بها وأوجب على المسلمين الاحتفال بها؛ تكريمًا ليوم الحج الأكبر وشعائره. ولأن السبلة هي مكان اجتماع أبناء القبيلة، كان لا بُد لها من أن تستمر في نقل هذه العادات والتقاليد والمشاعر بين الأجيال.
3- زيارات العيد
في هذه الأيام المُبارَكة يغتنمُ العُمانيون فرصة الاحتفال بالعيد، ليصلوا الأرحام، وإن كانت صلة الرحم مستمرة لا تنقطع إلّا أن هذه الأيام لها رونقها وطبيعتها الخاصة؛ ففي هذه الأيام تتجمع الأسر بكل أفرادها، وتفد إلى المدن والقرى في مشهد مُتفرِّد بكل خصوصياته في هذا البلد، ويكاد يكون مُميَّزًا عن غيرها من البلدان، ولا أظن أنني سمعتُ بهذا من قبل في أي بلد آخر. وفي العيد تكون زيارة المرضى وكبار السن مظهرًا مشهودًا يقوم به الجميع.
وهذه العادة مُستمرة وتتناقلها الأجيال من جيل إلى جيل، وهي ترسيخ لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ونهج قيمي استقرت عليه عادات أبناء الشعب العُماني الذي لا نستغرب عندما نشاهد كل هذه المظاهر في أيام العيد، وكيف اكتسب هذا الوطن التسامح والتعايش والتعاضد والتلاحم.
العيد بهجة وحالة خاصة في سلطنة عُمان يعيشها الغريب قبل القريب، والذي لا يكاد زائر أو مقيم أن يُدرِك كل ذلك من أول مناسبة يعيشها بين أبناء هذا البلد الطيب.
والمولى أسأل أن يحفظ هذا الوطن وقيادته وشعبه، وأن يُعيد هذه المناسبات بالخير والبركات.