افتحوا النوافذ.. أضمن لكم نهاية البكتيريا في المستشفيات

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

لطالما كان تلوث الهواء أحد أكبر الأخطار الصحية التي تواجه البشر، إلا أن أغلب الناس لا يدركون مدى فتكه مقارنة بتلوث المياه. والسبب بسيط: نحن بطبيعتنا نميل إلى تصديق ما تراه أعيننا، ونتجاهل أو نقلل من شأن ما لا نراه، رغم أنه قد يكون أكثر خطورة وتهديدًا لحياتنا. فالماء حين يتعكر أو يتغير لونه، تدق أجراس الخطر فورًا، وتبدأ ردود الفعل. أما الهواء، فشفافيته تخدعنا، وصمته يخفي عنَّا حقيقته.

لو افترضنا أن كوبًا من الماء تُرك مكشوفًا في مكان عام ليوم واحد، سنجد فيه لاحقًا ما يثير الاشمئزاز من الأوساخ والجراثيم وربما الحشرات الدقيقة. لكن ماذا عن الهواء الذي نتنفسه كل ثانية؟ إنه يحمل في طياته كميات هائلة من الملوثات، والغبار، والبكتيريا، والفيروسات. والأخطر من ذلك أنه قد يتحول إلى ناقل نشط للأمراض، خاصة في الأماكن المغلقة، كالمدارس، والمكاتب، وبشكل خاص المستشفيات.

هواء المستشفيات: ناقل صامت للعدوى

المستشفيات من المفترض أن تكون بيئة نظيفة، صحية، وآمنة. لكنها في كثير من الأحيان تتحول إلى مصدر لنقل العدوى، ليس بسبب سوء التعقيم أو ضعف الطواقم الطبية، وإنما بسبب إهمال عنصر بالغ الأهمية: تجديد الهواء. ففي بعض المستشفيات، لا تُفتح النوافذ أبدًا، وربما منذ اليوم الأول للافتتاح. بينما يتوافد إليها يوميًا العشرات، إن لم يكن المئات، من المرضى والزوار والعاملين. وكل من يدخل المستشفى، يضيف جزءًا من الملوثات التي يحملها في رئتيه، على ملابسه، في زفيره، أو على جلده. ومع مرور الوقت، يصبح الهواء خانقًا، مشبعًا بالبكتيريا التي تتكاثر بلا رقيب، وبالجراثيم التي تجد لها بيئة مثالية لتعيش وتتحور.

هل نتساءل أحيانًا: لماذا تتزايد حالات الإصابة بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية؟ لماذا نرى أشخاصًا دخلوا المستشفى لعلاج بسيط، فخرجوا بمضاعفات معقدة وعدوى لم تكن في الحسبان؟ الجواب في جزء كبير منه يعود إلى الهواء.

فتح النوافذ: حل بسيط.. لكنه فعّال

ما الحل؟ لست هنا لأعرض تقنية معقدة أو جهازًا باهظ الثمن. كل ما أقترحه هو أمر بسيط جدًا، لكنه مهمل تمامًا: فتح النوافذ. الأفضل بكثير عمل مراوح سحب للهواء يقابلها نوافذ كبيرة ومغلقة بمرشح يمنع دخول الغبار وبشكل مبسط وسهل يحاكي الطبيعة وأفضل وقت لتشغيلها هو أول الصباح وأول المساء إن تجديد الهواء من خلال التهوية الطبيعية ليس رفاهية، بل ضرورة طبية. النوافذ حين تُفتح تسمح بتدفق الهواء النقي، وطرد الملوثات، وتخفيف تركيز الجراثيم والبكتيريا في المكان. الهواء المتجدد يقلل فرص انتقال العدوى، ويعزز من صحة المرضى وقدرتهم على الشفاء.

وفي ظل التقدم الكبير في معرفة العلاقة بين جودة الهواء وصحة الإنسان، بات من غير المقبول أن نتجاهل هذا الجانب. علينا أن نعيد التفكير في تصميم المستشفيات، وفي بروتوكولات النظافة، بحيث يكون تجديد الهواء بندًا رئيسيًا، لا تفصيلًا ثانويًا.

دعوة للتغيير

إنني أكرر الدعوة لجميع القائمين على وزارة الصحة، الموقرة ولكل من يعمل في هذا المجال: لا تستهينوا بأهمية الهواء. دعونا نُعيد النظر في البديهيات، ونتبنى التهوية الطبيعية ونُدرج ذلك في سياسات المستشفيات. لنحارب البكتيريا والفيروسات كما نحارب أي عدو آخر ومقابل جهد ومال لا يذكر موفرين استغلال الشركات والنصائح المبطنة وما يسمى بيوت الخبرة التي همها الأول المال ثم المال والبشر يعانون وأن بالوقاية أولًا، ثم بالعلاج.

وإذا كان هناك إجراء واحد بسيط يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في مكافحة العدوى، فهو هذا: افتحوا النوافذ. أضمن لكم، كما أؤمن، أنكم بذلك تقطعون الطريق على كثير من البكتيريا، وتحفظون حياة الكثيرين وإني ومن أعماق قلبي افتخر واعتز بالمجال الصحي في وطني وكل القائمين عليه وعلى رأسهم معالي الدكتور وزير الصحة.

الأكثر قراءة