مستقبل سوريا والدور العربي المطلوب

 

د. عبدالله الأشعل **

عندما نتطرق إلى الشأن السوري، فإن هناك عددًا من الحقائق التي يجب أخذها في عين الاعتبار وأهمها:

أولًا: أن سوريا تاريخيا في مركز العالم العربي والإسلامي، وهناك فرق بين الدولة السورية والحكم الذي يتولى الإدارة. وكانت دمشق عاصمة الأُمويين لثمانية عقود وأعقبها الدولة العباسية وكان مركز الخلافة بغداد فلم تكن العراق أو إيران بعيدة عن سوريا في العصور الوسطى.

ولا تزال سوريا في مركز السياسة في المنطقة؛ فكانت مع مصر منذ العصور الوسطى محكومة بحكومة مقرها إما في دمشق أو القاهرة، وتأسست الوحدة العربية بين مصر وسوريا في كيان الجمهورية العربية المتحدة. ولقد عانت سوريا طويلًا من نظام تبين أنه قمع الشعب السوري بطريقة لا إنسانية.

ثانيًا: أن نظام الأسد كان يُساند المقاومة ولذلك فإنَّ القوى التي أزاحته لغرض أساسي وهو تحويل سوريا عن مساندة المقاومة.

وليس الهدف مصلحة الشعب السوري أو إنقاذ السوريين من توحش النظام. خاصة وأن واشنطن تعتبر أن إزاحة نظام الأسد كسبا كبيرا لجهودها وهو تحويل سوريا للعمل ضد المقاومة بدليل أن واشنطن اشترطت على القيادة الجديدة إبعاد إيران وروسيا عن سوريا وهو هدف سعت واشنطن وإسرائيل وحلفاؤهما من العرب إلى فصل إيران عن سوريا لسبب بسيط وهو أن الثورة الإسلامية في إيران قامت منذ اليوم الأول معادية لأمريكا وإسرائيل.

أما التقارب الإيراني السوري؛ فكان لأهداف كثيرة يهمني منها دعم المقاومة التي أسمتها واشنطن أذرع إيران في المنطقة. ويبدو أنَّ الرئيس المخلوع بشار الأسد اعتقد أن توجهه القومي المعادي لإسرائيل والداعم للمقاومة يُبرر له أن يرتكب الجرائم علما بأنَّ حلفاءه إيران وروسيا وحزب الله لا علاقة لهم بجرائمه ولا يُمكن أن يتدخلوا في المساحة بينه وبين شعبه. فهم يساندون الدولة السورية وليس بالضرورة النظام السوري لكن من الصعب الفصل بين الدولة والنظام.

ثالثًا: الانطباع العام بأن النظام الجديد يحول سوريا عن المقاومة، ولكن وزير خارجية الكويت وضع النقاط على الحروف فطالب النظام الجديد أن يحافظ على وحدة الأراضي السورية ويتصدى للتجاوزات الإسرائيلية. وقد صدرت تصريحات في هذا الموضوع من القيادة الجديدة لا تطمئن على علاقته بإسرائيل. وكل الشواهد تشير إلى أنَّ النظام الجديد يتمتع برضى واشنطن وإسرائيل لدرجة أنَّ كثيرا من التحليلات في هذا المجال تقول إن إسرائيل نجحت في إزالة الأسد المناوئ لإسرائيل حتى في الحد الأدنى خاصة وأن إسرائيل اعترفت رسميًا بأنها انتصرت على المقاومة عن طريق إزالة نظام الأسد واستبداله بنظام ترضى عنه. كما إن واشنطن والاتحاد الأوروبي وعدوا برفع العقوبات عن سوريا ورفع الحركة من قوائم الإرهاب.

رابعًا: إذا كان العالم العربي- خاصة مصر- رحب بالنظام الجديد، فإنِّه ترحيب دبلوماسي وليس ترحيبًا سياسيًا، وكان الاتحاد الأوروبي قد تحفظ بحذر بأنَّ العبرة ليست بالأقوال وإنما بالأفعال. والمهم الآن المحافظة على الدولة السورية والترحيب بأي نظام يحافظ على أراضي سوريا ولا يعادي المقاومة وليس بالضرورة في صراع مع إسرائيل، وهو بالضرورة إذ دعم المقاومة يكون ضد إسرائيل.

خامسًا: يجب على النظام الجديد ألا يقبل الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية بمعاداة روسيا وإيران وحزب الله. ليس بالضرورة أن تكون سوريا حلقة الصلة كالسابق بين إيران والمقاومة بشكل كامل.

سادسًا: غض الطرف عن حلفاء النظام السابق وأعدائه وإنما يختار النظام الجديد ما يصلح للمصالح السورية خاصة إذا نجح النظام في نقل السلطة بطريقة سلسة وسلمية ويجب على العالم العربي أن يساند النظام الجديد لما هو في مصلحة سوريا الدولة وآمل أن يتمكن النظام الجديد من استيعاب كل مكونات الشعب السوري.

سابعًا: يجب على كل الأطراف أن تدرك أنها تجربة فريدة. معظم الشعب السوري ابتهج لزوال نظام الأسد بسبب الجرائم التي تم الكشف عنها.

لكن هذا الموقف لا يعني بشكل تلقائي الترحيب بالنظام الجديد، ومطلوب من النظام الجديد أن يلتزم بأعلى درجات التجرد والبعد عن الانتقام أو التطرف من أي نوع وأن يُركز على مصلحة سوريا الدولة. وليعلم النظام الجديد بأنَّ الذي تغير هو النظام وليس الدولة. صحيح أن نظام الأسد كان يلزم الدولة بمفهومه، إلّا أنه يجب إغلاق صفحة النظام السابق.

ثامنا: يجب على النظام الجديد أن يُدرك أنَّه في مرحلة الاختبار ويجب على العرب دعمه لمصلحة سوريا وليس لمصالح كل دولة عربية.

تاسعًا: ما حدث في سوريا فريد، ولا يُقاس عليه وله ظروفه الخاصة؛ فلا يعني إمكانية نجاح الثورات العربية الأخرى. كما إن النموذج السوري- في يقيني- يبعث برسالة واضحة مؤداها أن من تسانده إيران وروسيا ويساند المقاومة يمكن إزالته، بخلاف النُظم المدعومة من المعسكر الآخر.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

الأكثر قراءة