الملاذ الأخير للإرهاب في حلب

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

 

لا حديث اليوم بعد وقف إطلاق النار بجنوب لبنان، سوى هجوم فصائل الإرهاب في سوريا على مدينة حلب؛ انطلاقًا من معاقلهم بمحافظة إدلب شمال سوريا.

هذه الفصائل تم تقسيمها من قبل الروس والأتراك والإيرانيين في مفاوضات وتفاهمات "أستانة" (في كازاخستان) و"سوتشي" (في روسيا)، الى ثلاث فئات: فئة خَطِرة يجب قتلها، وفئة يُمكن الاستفادة منها، وفئة يُمكن دمجها. وقد أطلق المتفاوضون الثلاثة على هذه التفاهمات، "مفاوضات خفض التصعيد في شمال سوريا".

ما قامت به هذه الفصائل الإرهابية من هجوم مُباغِت على حلب بإيعاز ورعاية أمريكية- تركية- صهيونية، يُمثِّل تنصلًا تركيًا واضحًا من التفاهمات مع روسيا وإيران، ورغبة تركية صهيو-أمريكية في نقل المعركة إلى سوريا؛ كحاضنٍ فعلي قوي وعُقدة لوجستية بين فصائل المقاومة بلبنان وغزة ومعها كذلك.

هذه المعركة المباغتة والمتوقعة أيضًا، ليست سوى تعويض للعدو الصهيوني ورُعاته عن نكبتهم التي تجرعوها على أيدي مقاتلي "حزب الله" في لبنان، وفشل مُخطَّطهم في هزيمته ونزع سلاحه وتشكيل حكومة موالية لهم بلبنان؛ أولى مهامها تطويق سوريا ومناصبة العداء لها، في استعادةٍ لمخطط تنصيب بشير الجميل رئيسًا على لبنان عام 1982؛ والذي شكَّل تنصيبه حينها تهديدًا مباشرًا لسوريا ومصالحها ونفوذها الإقليمي، وبالنتيجة قبولها الانضمام قسرًا إلى ركب "كامب ديفيد". ولم يقتصر الأمر على الدولة السورية وحدها؛ بل أمتد كذلك الى حليفهم الروسي والذي استشعر خطورة وجوده في حال بقي لبنان تحت رئاسة بشير الجميل المُقرَّب من الكيان الصهيوني.

لهذا كان الحل في التخلُّص من الجميل قبل تنصيبه وإعادة خلط الأوراق السياسية بلبنان لصالح سورية والحليف الروسي السوفييتي حينها. معركة حلب ليست سوى استنساخ لسيناريو بشير الجميل مع فارق الزمان والمكان وتوزيع المهام. معركة حلب اليوم بمثابة صك اعتراف من العدو الصهيوني ورعاته بهزيمتهم النكراء في لبنان، وفشلهم في تمرير مخططهم في إعادة لبنان لا يُشبه نفسه.

الإرهاب لا يعمل لنفسه ولا يعمل لوحده، فهو أجير وعميل لمشاريع غيره، وفصائل الإرهاب مُخترقة دائمًا من قبل أجهزة المخابرات المُشغِّلة لها والعدوَّة لها كذلك. لهذا لا شك أن مُخطَّطها للهجوم على حلب مكشوفٌ من قبل الجانب السوري وحلفائه، ولكن ما تلاحظ هو حجم الهجوم ونوعه وما صاحبه من ضجيج إعلامي مُنظَّم كحربٍ نفسيةٍ ولتضليلِ الرأي العام، بقصد تحقيق نصر تكتيكي واستغلال عنصر المباغتة والمفاجأة، وقد نجحت تلك الفصائل ورعاتها في تحقيق ذلك من الساعات الأولى للهجوم. واستهداف سوريا اليوم بعد فصول مُنهَكَة عاشها العدو الصهويني مع "طوفان الأقصى"، يعني اللجوء إلى الخطة (ب)، وهي استهداف الحاضن الأكبر والرئيس للمقاومة.

ما غاب أو غُيِّبَ عن ذهن العدو ومخططه هو حجم حلفاء سوريا اليوم، والذين ارتبطت مصالحهم عضويًا مع النظام والدولة في سوريا، والظاهر منهم: روسيا وإيران والعراق واليمن ولبنان ومصر والجزائر والصين وفصائل المقاومة بغزة.

فإذا علمنا بمكونات محور المقاومة ومعهم الحليف الاستراتيجي الروسي ومصلحتهم الطبيعية والمباشرة في أمن واستقرار وسلامة سوريا ووحدة ترابها، فإن الأمر يدفعنا إلى توضيح مواقف الآخرين (الإيجابي) من سوريا في هذا الظرف، مثل: الصين ومصر والجزائر.

الصين تنظر بكل ارتياب إلى المقاتلين الصينيين "الإيجور" المنضوين تحت راية فصائل الإرهاب، على اعتبار أن هؤلاء سيشكلون طابورًا خامسًا داخل الصين غدًا، وسيعملون على زعزعة الاستقرار في إقليمهم الذي يُطالب بالانفصال عن الصين وبمباركة من الغرب. كما تنظر مصر إلى سوريا على أنها من المكونات الصلبة لأمنها القومي منذ عام الوحدة 1958؛ حيث ما زالت عقيدة الجيش المصري ولغاية اليوم تعتبر الجيش السوري هو الجيش الأول، والجيش المصري هو الجيش الثاني. كما تنص العقيدة العسكرية للجيش المصري على أن سوريا هي الخندق الأول لمصر، لهذا أقامت مصر غرفة عمليات مشتركة مع الجانب السوري منذ بداية الأحداث بسوريا عام 2011.

أما الجزائر فتربطها وشائج تاريخية واجتماعية كبيرة مع سوريا، منذ زمن نفي الأمير عبدالقادر الجزائري من قبل الاستعمار الفرنسي الى دمشق عام 1855.

وفي المجمل، ومن واقع تجربة مع الإرهاب وصناعته وتصديره، فإنها ترى أن تفريخ الإرهاب في سوريا اليوم لا يمنع انتشاره ونقله الى جغرافيات أخرى وقت الحاجة، لهذا لا بُد من محاربته ومحاصرته في كل جغرافية يَنبُت فيها.

بلغة العقل والمنطق، ما عجز الغرب عن تحقيقه في سوريا منذ عام 2011، لا يمكنه تحقيقه اليوم؛ لأن لغة المعطيات اليوم تغيَّرت، وحلفاء الأمس ضد سوريا تبعثروا ولم يعد منهم سوى الأمريكي والفرنسي والتركي والصهيوني، وحلفاء سوريا في المقابل تعددوا وتكاثروا، وفصائل المقاومة قويت شوكتها واشتد عودها وتعددت جغرافياتها، مقابل خصوم أرهقتهم المواجهة، وحاصرتهم العداوات والكراهية في الإقليم والعالم.

لهذا يمكن القول إنهم يمارسون ما يشبه النحر لتلك الفصائل ويحثونهم على الانتحار؛ حيث أطلق التنكُّر التركي لتعهداته اليد للسوريين والروس والإيرانيين لخوض حرب موحَّدة ضد فصائل الإرهاب تلك، وهذه الحرب ستكون مفصلية سريعة وحاسمة، تكون خاتمة للإرهاب في سوريا، وكفيلة بإعادة وحدة التراب السوري وعودة السيادة الكاملة والاستقرار للدولة السورية وجوارها.

قبل اللقاء.. قد يكون من ضمن أهداف الرعاة لتحفيز وتحريض فصائل الإرهاب للقيام بهذا الهجوم الواسع هو نجاحهم في مهمتهم، أو التخلص منهم في ميدان المعركة، وبالتالي ضمان شرورهم بطريقة تبدو طبيعية.

وبالشكر تدوم النعم.

الأكثر قراءة