سلطان بن محمد القاسمي
هل فكرت يومًا كيف تؤثر المقارنات على سعادتك؟ نحن غالبًا ما نغرق في مقارنة حياتنا بغيرنا، نلاحق ما يملكه الآخرون ونقيس نجاحنا من خلال إنجازاتهم. هذا البحث المستمر عن "المزيد" يحرمنا من تقدير "ما لدينا"، رغم أن الحياة ليست سباقًا. بل هي سلسلة من النعم التي نعيشها بتفاصيلها. ومع كل ذلك، يقول الله تعالى: "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" (إبراهيم: 7)، ليعلمنا أن السعادة في الشكر على ما نملكه، وليس فيما نفتقده.
كم مرة وجدنا أنفسنا نطمح لما لدى الآخرين دون أن نقدر ما أنعم الله به علينا؟ فالشخص الذي يحيا مُمتنًا يشعر بالرضا في داخله، بينما الذي يعيش في مقارنة دائمة يجد نفسه مثقلاً بمشاعر الحسد والنقص. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" (رواه مسلم). وهذه دعوة عميقة تذكرنا بأن ترك المقارنات يُحررنا ويمنحنا السلام الداخلي.
وحين ننظر إلى الحياة بمنظور الامتنان، سنجد أن لدينا الكثير لنحتفل به. حيث إن النظر لما لدينا يجعلنا ندرك كيف وهبنا الله جوانب من الجمال قد نغفل عنها. تخيل مثلاً أنك تخرج في يوم جديد مستشعرًا جمال الشمس، والهواء النقي الذي تتنفسه، وصحة الجسد التي وهبك الله إياها. هذه النعم التي قد تبدو بديهية هي في الحقيقة كنوز لا تقدر بثمن. وفي كل صباح، يمكننا أن نبدأ يومنا بتذوق هذه اللحظات الجميلة، والتأمل في أن هذه التفاصيل البسيطة هي ما يشكل غنى الحياة وجوهرها.
وإذا تحدثنا عن الأسرة أو العلاقات الشخصية، سنجد أن المقارنات هنا يمكن أن تكون عائقًا كبيرًا للسعادة. حيث إن الأسرة ليست مجرد إطار اجتماعي، بل هي نعمة مستقلة تستحق أن تُعاش بأكملها. كم مرة نجد أنفسنا نتساءل عن كيف تبدو حياة الآخرين، في حين أن سعادتنا يمكن أن تكون في أبسط اللحظات مع عائلتنا؟ والأب الذي يحتفل بضحكات أطفاله والأم التي تقضي وقتها بحب في تنشئة أطفالها، يدركان أن السعادة ليست فيما يملكه الآخرون، بل في الروابط التي يبنيانها مع أفراد عائلتهما. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا" (الروم: 21)، فتلك السكينة والسعادة التي نجدها في روابط الأسرة هي ما يغني عن أي مقارنة أو بحث في حياة الآخرين.
إن الحياة الاجتماعية أيضًا تمثل مجالًا آخر للتواصل الحقيقي وتجاوز المقارنات. فلننظر إلى علاقات الصداقة؛ حيث يمكن أن تتحول من مقارنة دائمة إلى روابط مبنية على التفاهم والاحترام. وكذلك الأشخاص الذين يسعدون لرؤية نجاح أصدقائهم يعيشون حياة مفعمة بالسعادة الحقيقية، على عكس من ينشغلون بالمقارنات التي لا تجلب إلا الغيرة. والشخص الذي يتجاوز عن المقارنات يتذوق طعم الحرية، ويتعلم كيف يستمتع بوجود الآخرين حوله، وبدلاً من أن ينافسهم، يساندهم ويفرح لنجاحهم.
وكذلك، تأتي الراحة والسلام من الامتنان لما نملكه والإحسان في استخدامه. فعندما ندرك أن الله وزع الأرزاق بمقادير حكيمة، وأنه لا يُعطي أحدًا فوق طاقته، تصبح حياتنا أبسط وأكثر رضًا "وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (الذاريات: 22)، هذه الآية تفتح لنا نافذة للثقة المطلقة في أن أرزاقنا محددة بقدر، وأن كل ما نحتاجه سيأتي إلينا بالوقت المناسب، ما دمنا نؤدي دورنا بصدق وإخلاص.
أما على مستوى الطموحات، فالنظر لما يملكه الآخرون قد يحرمنا من تحقيق أهدافنا الخاصة. فبدلاً من مقارنة أنفسنا بغيرنا، يمكننا أن نركز على تطوير ذاتنا وإيجاد السعادة في الإنجازات التي نحققها. تخيل شخصًا يقضي وقته في مقارنة نفسه بمن هم حوله، سيجد نفسه في دائرة لا تنتهي من الشك في قدراته. بينما الشخص الذي يركز على هدفه ويعمل لتحقيقه، يجد السعادة في كل خطوة يخطوها نحو طموحه. فهو يدرك أن رحلته في الحياة تخصه وحده، وأن ما ينجزه هو جزء من تطوره الشخصي.
وختامًا.. فلنتذكر أن الحياة ليست لائحة أهداف يكتبها الآخرون؛ بل هي صفحات نكتبها بأنفسنا؛ فعندما نكُف عن المقارنة، نبدأ في الاستمتاع بكل لحظة، ونجد السعادة في الأشياء التي نملكها. فما أجمل أن نعيش الحياة بقلبٍ مُمتن، متأملين عظمة النعم التي بين أيدينا، ومتيقنين أن السعادة ليست في الخارج؛ بل هي في أعماق نفوسنا.