عندما يتظاهر القاتل بالفضيلة

 

د. عبدالله الأشعل

ألقى بنيامين نتنياهو يوم 28 سبتمبر 2024، كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم بعد انتهاء كلمته، قفل راجعًا إلى إسرائيل، وقال عند وصوله إلى إسرائيل إنِّه سافر للأمم المتحدة لكى يخدع "حزب الله"، وهو الذي صدّق على خطة "الموساد" لاغتيال الأمين العام لحزب الله، وأكد في كلمته أنَّ إسرائيل لكي تبقى وتظل مشروعه لا بُد من قمع وتهديد كل من يهاجمها.

بعد هزيمة الجيوش العربية وتحويلها إلى جيوش للدفاع عن نُظُم الحكم لا عن الدولة وأمنها القومي؛ فقد قرَّر نتنياهو أن يقضي على المُقاومة ضد إسرائيل عن طريق الاغتيالات، خاصة القيادات الكبرى السياسية والعسكرية، وبذلك فإنَّ نتنياهو قضى على قيادات حماس وحزب الله وهما الأساس في المقاومة. وترى إسرائيل أن الطريق بعد الاغتيالات قد انفتح لعملية برية واسعة فى لبنان لاحتلاله، وتبقى فيها بمباركة إقليمية، وأيضًا لكي تتمكن من إشعال الحرب الأهلية الطائفية في لبنان، وحتى يستطيع سكان شمال إسرائيل العودة إلى بيوتهم باطمئنان.

وكان حزب الله قبل اغتيال أمينه العام، قد أكد أنه يمكن إرجاع المستوطنين إلى أراضيهم فقط إذا قبلت إسرائيل الهدنة في فلسطين، وتحدى نتنياهو في هذه النقطة. ومما يذكر أن إسرائيل احتلت بيروت عام 1982، ثم طردت المقاومة الفلسطينية إلى خارج لبنان، حتى عاد ياسر عرفات إلى فلسطين عن طريق إعلان أوسلو عام 1993، علمًا بأنَّ اتفاق أوسلو كان من المحطات المُهمة للمشروع الصهيوني.

وقد أطلق نتنياهو خلال كلمته أمام الأمم المتحدة مجموعة من الأكاذيب والتمنيات، علمًا بأن مواقف إسرائيل وسلوكها يُشير إلى عزم إسرائيل على إخضاع دول المنطقة بالقوة؛ إذ تعتقد إسرائيل أنها أصبحت اللاعب الوحيد في المنطقة، وكان آخرها شن حملة نفسية في العالم العربي ضد إيران، وهي فى الواقع تُخطِّط مع واشنطن لغزو إيران، حتى تقطع رأس المقاومة، ما دامت قد اغتالت قيادات المقاومة. ومن الواضح أن إسرائيل والولايات المتحدة تخططان لغزو إيران وتجريدها من صناعاتها الحربية، ومحاولة إسقاط النظام، باعتبار أن إيران المُهدِّد الأول والأساسي للصهيونية واللصوصية الإسرائيلية، وما لم تملك ايران سلاحًا نوويًا فإن المُخطَّط يمكن أن ينجح، ولو كان العراق لديه أسلحة دمار شامل لما كانت امريكا وبريطانيا قد جرؤتا على غزوه. لذلك اتضحت لعبة إسرائيل والولايات المتحدة للوقيعة بين إيران والمقاومة؛ حيث روَّج الموساد مجموعة من السموم في العالم العربي؛ أولها أن إيران تخلّت عن المقاومة وأن المقاومة أصبحت هدفًا سهلًا لإسرائيل. وثانيها أن إيران تُريد توظيف المقاومة فى مشروعها الإقليمي. ثالثها أن إيران لديها أولويات تجعلها تُضحِّي بالمقاومة، وهي أن الملف النووي والعقوبات أهم من المقاومة. ويبدو أن خطة الخديعة الغربية لا تزال قائمة أمام إيران؛ فالغرب مثل إسرائيل ليس له أمان.

وقد أثار نتنياهو في كلمته الأممية، عددًا من القضايا أهمها ثلاثة:

القضية الأولى: معاداة الأمم المتحدة بسبب تحاملها على إسرائيل، وكاد نتنياهو في التعبير عن ضيقه بالأمم المتحدة أن يُعلن انسحاب إسرائيل من المنظمة الدولية!

القضية الثانية أنه هاجم بشدة وبمرارة الدول التي شكَّكت في عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، واتهم الجميع بتهمة معاداة السامية، ونسي نتنياهو أن معاداة السامية لم تعد تنطلي على شعوب العالم؛ لأنها بلا معنى؛ بل إن الأمم المتحدة ترفَّقت بإسرائيل عندما قسَّمت فلسطين، ثم قَبِلَت إسرائيل عضوًا فيها، ثم أصدرت مئات القرارات التي تدين إسرائيل دون أن تُنفِّذ شيئًا، وقد مكَّنتها الولايات المتحدة من أن تكون فوق القانون؛ فهي ليست دولة وليست مُحبة للسلام ولا راغبة فيه، وكان واضحًا منذ البداية، أمران: الأول أن إسرائيل تتستر باليهودية وتُسيء بجرائمها إلى اليهودية كديانة. الثاني: أن إسرائيل قامت بسرقة الوطن العربى وتسعى لإبادة العرب، وموقف الأمم المتحدة عام 1975، أكبر دليل على سلوك إسرائيل، عندما ساوت الأمم المتحدة بين الصهيونية والعنصرية.

أما في ملحمة غزة، فإنها كشفت أنها شرطى العالم وأسقطت كافة المبررات التى حاول الغرب أن يبتلعها العرب، يُضاف إلى ذلك أنَّ واشنطن تُشجِّعُها على انتهاك القانون الدولي، علمًا بأن العالم كله ضد أعمال الابادة الصهيونية، خاصة وأن إسرائيل تنسب هذه الجرائم إلى التوراة وهي من إسرائيل براء.

القضية الثالثة، هي الإلحاح على التطبيع مع السعودية ومع كل العالم العربي، من منطق أنَّ التطبيع مكافأة لإسرائيل القوية الباطشة، وأنها تريد السيطرة على العرب نتيجة ضعفهم، ولن ينس نتنياهو أن يشكر الولايات المتحدة التي جعلته فوق الجميع!

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا