ورطة الكيان الصهيوني بغزة

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

لا شك أنَّ طوفان الأقصى شكَّل مِفصلًا تاريخيًا حادًا ليس للصراع العربي الصهيوني فحسب؛ بل للكيان الصهيوني على وجه الدقة؛ حيث وجد هذا الكيان نفسه مُجبرًا على المواجهة في عدد من الجبهات، أولها عسكري بغزة ومن جنوب لبنان واليمن والعراق، وعلى صُعد أخرى لم يحسب لها أي حساب وتمثلت في الحشود الشعبية الجارفة، والمناصرة لفلسطين في أوروبا وأمريكا، إضافة إلى تهافت دول العالم على إنكار جرائم الكيان وإدانته عبر محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية. ولم يتوقف الأمر أو ينحصر بهذا؛ بل تعددت هزائم الكيان العسكرية والفكرية والاستخباراتية والاقتصادية، ولعل ما يخفف من وطأتها اليوم هو أن الكيان مازال تحت تأثير صدمة السابع من أكتوبر ولم يستوعب بعد كل ما جرى له في ذلك اليوم.

لن يستوعب الكيان كل ما جرى له من هزيمة شاملة في طوفان الأقصى، إلّا بعد صمت البنادق والمدافع، حينها فقط سيعمل على تقليب مواجعه وتقييم خسائره وهزائمه على مختلف الجبهات.

الغرب المُسانِد والمُؤيِّد بقوة للكيان الصهيوني وعلى رأس قيادته أمريكا، وجد نفسه في ظل الطوفان مُكرهًا على مواجهة العالم بأسره، وهذا ما هدَّد مصالحه بقوة مُعاكِسة، وجعل العالم يُعيد النظر ليس في سرديات الغرب البالية من حقوق وحريات وقانون دولي وما على شاكلتها؛ بل وحتى في جدوى المُنظمات الدولية التي تُمثل الشرعية الدولية والسلم والأمن الدوليين.

خروقات الغرب وتجاوزاته الرعناء منذ الحرب الأوكرانية لمواجهة روسيا، كشفها الطوفان أكثر وأكثر وانضجَ حتمية وضرورة أن ينتصر العالم الحُر لقيم الحُرية والسلام والعدل وفق المفهوم الإنساني الشامل، ووفق القواعد التي ارتضتها الأسرة الدولية وعبرت عنها عهود ومواثيق المنظمات الدولية.

الحرب في أوكرانيا سوَّقها الغرب وكأنها من فصول الحرب الباردة بين مُعسكَريْن وانطلت على البعض ممن توقف عندهم التاريخ، وسُلبت عقولهم من قبل الغرب وخرافاته في توصيف الخصوم، ولكن "طوفان الأقصى" برهن على أن المسألة أبعد من الحرب الباردة، وأنها هوية الغرب الحقيقية حين يتعلق الأمر بمصالحه؛ حيث الغاية تُبرِّر الوسيلة، والنتيجة تلمع قذارة كل فعل مُشين لهم.

أدرك الغرب اليوم أنَّ غزة لا تُحارب لوحدها، وأن رديفها ليس محور المقاومة فحسب؛ بل العالم بأكمله، فغزة اليوم هي ضمير العالم، والنواة الحقيقية التي ستتشكل من خلالها ملامح العالم لقرن قادم، لهذا تهافت المتبصرون بحتمية التاريخ حول العالم إلى ركوب سفينة الطوفان قبل الغرق، فغزة اليوم ليست جغرافية صغيرة من فلسطين المُحتلة؛ بل رمزية تاريخية وبوصلة بشرية للتحرر من العبودية والفساد بأنواعه، والانتصار للحق وللقيم الإنسانية.

قبل اللقاء.. سبب الدعم الغربي السخي للكيان اليوم، ليس كله بدافع الحب له؛ بل استشعارًا وتحسبًا لزواله الحقيقي، ولأول مرة، وهذا يعني عودتهم من فلسطين مُكرهين كل إلى موطنه الأصلي، وبالنتيجة عودة الفساد والإفساد واللوبيات والنفوذ مجددًا!

وبالشكر تدوم النعم.

 

الأكثر قراءة