"منبر جدة".. بين سلمية الخيارات ومبررات اللجوء إلى القوة

 

 

د. هبة بت عريض

 

الوساطة هي وسيلة لحل المُنازعات كما نعلم، بمقتضاها يقوم شخص من الغير، وهو "محايد" يُسمى الوسيط، بتسهيل وتنسيق المفاوضات التي يعقدها أطراف النزاع من أجل التوصل إلى اتفاق بينهم.

والوساطة عملية تطوعية بطبيعتها ولا يملك الوسيط سلطة اتخاذ قرار بشأن جوهر النزاع؛ بل إنَّ دوره ينحصر في تقريب وجهات نظر أطراف النزاع وحثهم على قبول اقتراحاته وتوصياته، والعمل على استنباط الحلول البديلة، دون فرضها عليهم. لذا دوره يُشبه المحلل النفسي الذي يُشخِّص مكامن الخلل ليقوم بعد ذلك باقتراح الحلول المناسبة، وذلك بتلخيصه لوجهات النظر لأجل تقريب الأطراف من الحل الذي يحظى بقبولهم.

وفي إطار الوساطة تجد أن أطراف النزاع هم الذين يتوصلون إلى التسوية، أي هم الذين يصنعون النتيجة النهائية، أما دور الوسيط فلا يتجاوز- كما أشرنا- حدود تيسير التواصل والتفاوض واستخدام مجموعة من المهارات الإدارية والتقنية والفنية التي تعزز قدرة الأطراف على التفاوض.

وعند بداية الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023، وإيمانًا بدورها الراسخ في دعم السلام في السودان، وحفاظًا علي أمنه وسلامة أراضيه رحّبت المملكة العربية السعودية بكافة الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى حل الأزمة، وعزمت على مواصلة الجهود لرعاية المُباحثات من خلال "منبر جدة" من أجل تقريب وجهات النظر لوقف إطلاق النار، وعودة الحوار السياسي لتحقيق السلام والاستقرار من خلال الدعوة لحوار "سوداني- سوداني" لا يستثني أحدًا.

في المُقابل، اعتمد السودان "منبر جدة" كمنصة وحيدة للتفاوض مع "مليشيا الدعم السريع" المُتمرِّدة، وأكد رفضه القاطع لأي تفاوض خارج جدة، مُعتبرًا أي منبر آخر محاولة لتدويل الأزمة، وسحب البساط من منبر جدة، وهربًا من الالتزامات التي جرى التوافق عليها. والدليل على ذلك تجميد عضويته لدى الاتحاد الأفريقي، ورفضه الجلوس في مبادرة دول الجوار ومنظمة "إيجاد" التي حاولت حل الأزمة.

كما إن رئيس وأعضاء مجلس السيادة، لم يحدث أن اعترضوا على "منبر جدة"، مُثمنين جهود المملكة ودعمها غير المشروط للشعب السوداني. لذا يُعوّل عليه في إيجاد حل جذري يُنهي الأزمة ويحقق السلام، وباعتباره المنبر الأكثر جدية في التعامل مع الشأن السوداني.

لقد عقدت 3 جولات منذ بدء الحرب، وجرى التوصل إلى 3 اتفاقيات كان يُفترض تنفيذها، إلّا أنها لم تُنفذ للأسف، بسبب تعنت "مليشيا الدعم السريع" وعدم خروجها من بيوت المواطنين والأعيان المدنية؛ وذلك يعني أن "منبر جدة" فشل في إيجاد آليات التنفيذ وبالتالي الفشل في الوصول إلى اتفاقيات مُلزمة.

وبما أنه لم يطرأ أي تغيير على موقف قيادة الجيش من التفاوض، يعلق السودانيون آمالًا كبيرة على استئناف المفاوضات في "منبر جدة"، ومن بعد تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مايو 2023، وهي النقطة الوحيدة الصالحة والكفيلة بإنهاء الصراع.

لكن ينبغي علي الدول الراعية للحوار- الوسطاء- أن تملك رؤية واضحة وحاسمة وملزمة بشأن تنفيذ المُخرجات المتفق عليها قبلًا، وأن تنصب الجهود الإقليمية والدولية بعدئذٍ في ذات الاتجاه. وهذا ما يجعل "منبر جدة" أمام تحدٍ واضح إزاء إنهاء الصراع في السودان.

تعليق عبر الفيس بوك