علي الرئيسي **
عقد معهد الخليج لدول العربية بواشنطن العاصمة، وهو معهد رسمي، ندوةً حول تقرير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي عن سلطنة عمان بتاريخ 1 فبراير 2024، وقد تطرق التقرير الى تطورات الاقتصاد الكلي في السلطنة؛ حيث أوضح التقرير استمرار التحسن في المناخ العام للاقتصاد.
وقد عزا الصندوق ذلك إلى التحسن في أسعار النفط، واستمرارية الإصلاحات الاقتصادية، كما إن الاقتصاد العماني واصل نموه وتعافيه، بينما ظل التضخم تحت السيطرة. ونما الاقتصاد العماني في عام 2022 بنسبة 4.3 في المائة، بينما يُقدِّر الصندوق تراجع النمو الى 2.2 في المائة في عام 2023. وارتفع نمو القطاعات غير الهيدروكربونية (غير النفطية) من 1.2 في المائة عام 2022 الى 2.7 في المائة بالنصف الأول من عام 2023؛ نتيجة لتعافى القطاع الزراعي وقطاع البناء والمقاولات وقطاع الخدمات.
ركّز التقرير على تحسن المالية العامة والقطاع الخارجي؛ حيث بلغ الفائض في المالية العامة حوالي 5.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل الفائض في الميزان الجاري 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022. بينما انخفض الدين العام من 68 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 إلى 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023. ويُعزي الصندوق التحسن في هذه المؤشرات الى تحسن في الإيرادات الكربوهيدراتية (النفطية)، والى السياسة المالية المُحافِظة. التقرير يشير الى إيجابيات التحسن في المالية العامة، والميزان الجاري، وخفض الدين العام، مما أدى الى تحسن في تقييم المخاطر السيادية ورفع التصنيف السيادي من قبل شركات التصنيف العالمية.
وبالنسبة للمخاطر، يوضِّح تقرير الصندوق أن ارتفاع أسعار النفط، وتدفق الاستثمارات الأجنبية، مع خفض أسعار الفائدة العالمية، قد تساعد في زيادة الطلب العالمي، مما سيساعد في زيادة النمو الاقتصادي. يبقى أن الانخفاض في أسعار النفط فيما إذا تسارع تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، ستكون له مخاطر سلبية على الاقتصاد العُماني، وبالذات على قطاع المالية العامة والتجارة الخارجية. وبحسب الصندوق، فإن ذلك سيؤدي إلى تراجع في الخطوات الخاصة بالإصلاح الاقتصادي.
وبطبيعة التقارير الرسمية، لا يشير التقرير الى نسب الباحثين عن عمل في السلطنة، وإنما يذكر أن هناك زيادة بنسبة 16.2 في المائة خلال عام 2022 في معدل التوظيف، في حين أن نمو توظيف العمالة المحلية لم يتجاوز 3.6 في المائة؛ أي أن معظم الزيادة تمثلت في توظيف العمالة الأجنبية؛ مما يطرح تساؤلات جدية حول سياسات التعمين والإحلال.
التقرير يشير إلى أنَّ البنوك العمانية تتمتع بجدارة ائتمانية جيدة مع رسملة معقولة وتحسن في الربحية. لكن لا يزال نمو الائتمان الخاص ضعيفًا، فقد نما بنسبة 4.2 في المائة في عام 2022، ومن المتوقع أن تصل نسبة النمو إلى 6.3 في المائة في عام 2023. أما بالنسبة للسياسة النقدية، يعتقد الصندوق أن ربط الريال العُماني مع الدولار الأمريكي لا يزال يخدم الاقتصاد العماني، خاصة مع ضعف آلية انتقال السياسة النقدية؛ حيث إن أي تغيير في سعر الفائدة الرسمي لا يتبعه تغييرًا في سعر الفائدة على الإقراض والودائع. ويحث الصندوق منذ سنوات على اتباع سياسة تدريجية لخلق حساب موحد للحسابات الحكومية والقضاء على تشوهات أسعار الفائدة مع إلغاء سقف الإقراض على القروض الشخصية.
وفي سؤال من أحد الحاضرين في الندوة تعليقًا على أن التقرير في مجمله "إيجابي"، في حين أنه عند التحدث إلى العمانيين ثمة إحساس بعدم التفاؤل من نتائج السياسات الاقتصادية، علاوة على القلق من زيادة عدد الباحثين عن العمل، وقد أجاب المُحاضِر أن هذا الشعور قد يعود الى انخفاض الأجور والعلاوات، وكذلك الى الزيادة المضطردة في أعداد العمال الوافدين مقابل زيادة في أعداد الباحثين عن عمل والمُسرَّحين؛ حيث قامت الحكومة خلال الأعوام الماضية بخفض العلاوات في القطاع الحكومي، المُشغِّل الأساسي للعمالة الوطنية، إضافة إلى خفض الدعم الحكومي للمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات.
يُشير التقرير كذلك إلى انخفاض الإنفاق الرأسمالي؛ حيث لم يتجاوز 1.9 مليار دولار أمريكي، والمعروف في الدول النفطية أن الإنفاق الحكومي هو الذي يقود النمو الاقتصادي، وخاصة عندما يتسم القطاع الخاص بالضعف الهيكلي والهشاشة. والجدير بالملاحظة هنا أن الاستثمار الكلي يتوقع أن يبلغ 24.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يبلغ الاستثمار الحكومي 6.6 في المائة في عام 2023.
من ناحية أخرى، يُقدِّر الصندوق أن الادخار الكلي سيصل الى 27.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وأن الادخار العام سيصل إلى 14.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما سيصل الادخار الخاص إلى 12.9 من الناتج المحلي الإجمالي. وهذان المؤشران مهمان بالنسبة للنمو الاقتصادي.
لا تخلو تقارير وسياسات صندوق النقد الدولي من الانتقادات، من ضمنها أن الصندوق يُركِّز غالبًا على الأولوية لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي على المدى القصير، عوضًا عن الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل؛ مما يدفع بالحكومات إلى اتخاذ تدابير تقشفية يُمكن أن يكون لها آثار اجتماعية ضارة. ويرى البعض أن سياسات الصندوق قد تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، وتفشل في معالجة القضايا الهيكلية في البلدان المتلقية لقروض الصندوق أو نصائحه. وهناك "وصفة نيوليبرالية" جاهزة لمعظم البلدان بصرف النظر عن خصوصية المشاكل التي يُعاني منها هذا البلد أو ذاك!
** باحث في قضايا التنمية والاقتصاد