الخيارات الصعبة أمام أمريكا

هل المنطقة متجهة إلى السيناريو الأسوأ؟

 

 

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

ما حدث يوم 7 أكتوبر يعد حدثًا ضخمًا وزلزالًا مدويًّا بكل المعايير؛ فهجوم حماس غير المسبوق والانتقام الإسرائيلي الذي فاق كل الحدود أدى إلى تحريك أحجار الشطرنج بطريقة غير مسبوقة؛ إذ إن "محور المقاومة"- الذي يضم إيران وسوريا وفصائل المقاومة في لبنان والعراق وسوريا واليمن "أنصار الله"- بدأ في تحريك قواه ضد إسرائيل والقواعد الأمريكية في المنطقة، ودخل في منطق الصراع الكبير معهما.

ومنذ اليوم الأول لهجوم حماس، أدركت الإدارة الأمريكية خطورة التداعيات المحتملة، وبدء الرئيس بايدن يكرر ويشدد أنه سوف يسعى ما في وسعه لمنع اتساع نطاق الحرب، وفي سبيل ذلك أرسل حاملتين للطائرات إلى شرق البحر المتوسط وقطع بحرية متعددة، وتم تعزيز أسراب القوة الجوية في الشرق الأوسط، بهدف ردع أي طرف يفكر في التدخل.

عدد من المحللين يعتقدون أن تبعات التوترات المتلاحقة، مع أية حسابات خاطئة قد تحولها إلى "حرب إقليمية واسعة النطاق".

 وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وخلال اجتماعات منتدى الاقتصاد العالمي "دافوس"، التي ضمت نخبة من رجال السياسة والأعمال من مختلف دول العالم للتباحث حول قضايا سياسية واقتصادية مهمة، أقرَّ بوجود "فرصة كبيرة لامتداد الحرب في أنحاء الشرق الأوسط". أما جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي، قال أمام نفس المنتدى إنه "يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها والقوى الإقليمية الأخرى إنتاج استجابة مشتركة ومتماسكة لمنع انتشار الحرب"، حسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

لكن مع ذلك، تسارعت الجبهات المختلفة بالاشتعال، منها جبهة البحر الأحمر لضرب السفن الإسرائيلية، أو المتوجهة من وإلى إسرائيل والسفن الأمريكية والبريطانية لاحقًا، كما تصاعدت الهجمات اليومية بين حزب الله في لبنان وإسرائيل وقصفت إيران ما سمتها بمقرات "التجسس" الإسرائيلية في شمال العراق، وشنت إسرائيل هجمات متكررة على المستشارين الإيرانيين في سوريا، كما تقوم بعض فصائل الحشد الشعبي العراقية بشن هجمات على القواعد الأمريكية في العراق، وترد الولايات المتحدة بهجمات مماثلة. المنطقة بدأت تشهد تصعيدا غير مسبوق على جبهات متعددة مهددة بوقوع حرب إقليمية كبرى.

أما هجوم المُسيَّرة التابعة لحزب الله العراقي على قاعدة أمريكية في شمال شرق الأردن، الذي أدى إلى مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة 40 بجروح، فقد رفع من وتيرة العنف. وتزعم المخابرات الأمريكية أن المُسيَّرة المستخدمة لمهاجمة القاعدة الأمريكية صنعتها إيران، وهي تشبه المسيَّرات التي أرسلتها إلى روسيا والتي استعملت في أوكرانيا. وردت الولايات المتحدة بهجمات انتقامية ضد أهداف متعددة في كل من العراق وسوريا مدعية أنها أهداف مرتبطة بإيران والتي أسفرت عن وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى. واستنكرت الحكومة العراقية تلك الهجمات وقالت إنها تضع الأمن في العراق والمنطقة على حافة الهاوية كما أنها تتعارض مع جهود ترسيخ الاستقرار، ورفض العراق أن تكون أراضيه ساحة لتصفية الحسابات، ودعا جميع الأطراف أن تدرك ذلك، وأن "التحالف الدولي" خرج عن المهام الموكلة إليه وصار سببا لتهديد الأمن والاستقرار في العراق.

فهل ستؤدي الهجمات على أجهزة ومقرات ومخازن لإيران حسب الادعاء الأمريكي وما يجري في البحر الأحمر، واستمرار نتنياهو برفض أية مبادرات للتهدئة إلى فشل الهدف الأمريكي الساعي لمنع اتساع نطاق الحرب على غزة جغرافيًا؟ وهل ستؤدي كل هذه الأحداث إلى مواجهة ما مع إيران؟

المحللون يزعمون عدم وجود مصلحة لواشنطن ولا لطهران بحدوث صراع عسكري مباشر بينهما. لكن مع التصعيد تصبح الأمور أكثر احتمالًا.

وقال بايدن ومسؤولون دفاعيون آخرون إن واشنطن لا تسعى إلى حرب أوسع مع إيران أو تصعيد التوترات في المنطقة، مضيفا للصحفيين في البيت الأبيض: "هذا ليس ما أبحث عنه". ويبدو أن الخطط التي تمت الموافقة عليها تبقي الاستهداف على الأهداف المرتبطة بايران خارجها.

استراتيجية إيران في الشرق الأوسط، مبنية على طرد الوجود العسكري الأمريكي تدريجيًا من المنطقة، ولذلك فإنها تمارس ضغوطًا مستمرة على الأميركيين في سوريا والعراق، بمساعدة الجماعات المسلحة المتحالفة معها، حتى يتعب البيت الأبيض في نهاية المطاف ويسحب قواته تمامًا، كما حدث في أفغانستان وقبل ذلك في لبنان عام 1982 وأماكن أخرى مثل فيتنام وكمبوديا ولاوس وغيرها.

واشنطن تتجنب بدء صراع كبير مع إيران؛ لأنها ستكون بمثابة أفغانستان جديدة، وهذا غير مناسب لها. واضطر بايدن للرد على مقتل جنود أمريكيين في الأردن؛ لأن عكس ذلك سوف يعرضه لاتهامات بالضعف، وأمامه انتخابات قريبة وصعبة.

هناك احتمال أيضًا أن تستغل إسرائيل الظروف وتقوم بضرب الأماكن الاستراتيجية في إيران مثل المفاعل النووية. ويقول مستشار البنتاجون السابق العقيد دوجلاس ماكنوجر: "الهجوم على إيران قد يتحول إلى حرب نووية. نحن بحاجة إلى التراجع عن هذا". وتمتلك إيران ترسانة ضخمة من الصواريخ، مضيفًا: "تصوروا أن لدينا نحو 57 ألف جندي أمريكي في المنطقة. إذا أطلق الإيرانيون النار على شيء ما وانضم إلينا الإسرائيليون في هجمات مباشرة على إيران، أعتقد أن ترسانة إيران سيتم إطلاقها بكميات كبيرة من مواقع مختلفة وستتحول إسرائيل إلى رماد. والخطر الأكبر هو أنَّ الإسرائيليين سوف يردون بالأسلحة النووية ونشهد حينئذ السيناريو الأسوأ.

الرئيس بايدن يتعرض لضغوط متزايدة من بعض المشرعين الجمهوريين، ولا سيما من بعض الأصوات الأكثر تشدُّدًا بشأن ضرب أهداف على الأراضي الإيرانية.

 

وتتجه الأنظار إلى واشنطن لتراقب كيف سيتصرف بايدن إذا شنت الفصائل المختلفة بهجمات متعددة على القواعد الأمريكية في المنطقة.

إن معضلة بايدن هي في كيفية الانتقام، ومن سيضرب، وأين سيضرب. والسؤال الكبير الآن هو: ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على ردع الهجمات من خلال الرد بقوة، وإضافة مزيد من الزيت على النيران المشتعلة في المنطقة. مساعد سابق لوزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط صرح لشبكة "بي بي سي" بأنه يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن ترد "بقوة أكبر مما استخدمته حتى الآن". وقال "كان من الواضح أن الولايات المتحدة لا تريد أن تتوسع هذه الحرب في غزة في المنطقة. وكان من الواضح أيضا أن إيران تريد أن تتوسع". "الشيء الوحيد الذي يفهمونه هو القوة. لقد حان الوقت لاستخدامها."وأضاف: "أعتقد أنه حتى الأهداف داخل إيران يتم إدراجها كخيارات للبيت الأبيض من البنتاجون".

إجمالًا فإن الأوضاع التي تمر بها المنطقة مثلما ذكره وليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية "سي آي إيه" في مقال نشره في مجلة "الشؤون الخارجيةForeign Affairs" الأمريكية؛ حيث قال: "إنه عمل خلال أربعة عقود على ملفات الشرق الأوسط ولم يرَ من قبل الأوضاع في المنطقة بهذا القدر من التعقيد والقرب من الانفجار"، مضيفا أنها "بمثابة تذكير مؤلم بتعقد الخيارات التي لا يزال الشرق الأوسط يفرضها على الولايات المتحدة"، وهي أمور وصفها بيرنز بأنها "في غاية التعقيد والتشابك". وقال إنه لم يشهد لها مثيلاً، و"كلها تفرض على الولايات المتحدة خيارات صعبة".