حاتم الطائي
◄ النظرة الاستراتيجية الثاقبة لجلالة السلطان تؤكد وقوفنا الصلب مع الحق في مواجهة الباطل
◄ جيش الاحتلال يتجرع كؤوس الهزيمة ساعة تلو الأخرى
◄ النضال من أجل الحق يتجسد في أبطال المقاومة الصامدين وشعب فلسطين الأبي
نعيشُ في هذه الحياة دائمًا بين نقيضين، ثنائيتين، متضادين: الحق والباطل.. الخير والشر.. الثواب والعقاب.. النور والظلام.. الصباح والمساء.. إلى آخر ذلك من الأوصاف التي ربما لا تنتهي، ورغم أنَّ هناك ثنائيات لا نستطيع التمييز بينها، لكن أكثر ما يجب أن نسعى للتمييز بينه، هو الحق والباطل، لأنَّ إدراك كل معنى من هاتين الكلمتين، يحمل دلالات عميقة الأثر ومعانٍ شديدة التأثير في مجريات الحياة، ومن خلالهما يستطيع المرء مِنَّا أن يُحدد وجهته؛ هل نحو الحق ومناصرته والقبض على جمراته المُلتهبة؟ أم في اتجاه الباطل واستسهال قطف ثماره الشيطانية؟!
هذه مُعضلة أخلاقية عُظمى، ربما يعود تاريخها إلى أقدم نقطة زمنية يُدركها الإنسان، وتتجدد دائما وباستمرار في كل عصر ووقت وأذان. وبينما نحن نُشاهد ما يجري حولنا من مآسٍ غير مسبوقة وجرائم إبادة جماعية شنيعة ترتكبها العصابات الصهيونية المعروفة باسم قوات الاحتلال الإسرائيلي، والصمت الدولي المُخزي، والتآمر الغربي الفاضح على أهل فلسطين وقطاع غزة تحديدًا، والضعف العربي والإسلامي العام، فلا يُمكن أن نصف هذه الأحداث سوى أنها معركة الحق والباطل، الحق الفلسطيني في مُواجهة الباطل الإسرائيلي.. الحق في الأرض للشعب الفلسطيني صاحب الجذور المُمتدة في تربة هذه البقعة المباركة من أرض الله، ضد الباطل الصهيوني الذي اغتصب الأرض وانتزعها بالممارسات الإرهابية والقتل والإبادة الجماعية والتهجير القسري وهدم المنازل واستخدام الأسلحة المُحرّمة.. الحق الفلسطيني في إقامة دولة مُستقلة ذات سيادة تنعم بخيرات الأرض وتحيا في سلام، ويعيش إنسانها في اطمئنان وأمان، لا يخشى على نفسه وعائلته الموت في أي لحظة، ولا الطرد والتهجير ولا الاعتقال والأسر في غيابات سجون الاحتلال، وذلك في مُواجهة الباطل الإسرائيلي الذي يزعم كذبًا ونفاقًا وزورًا وبهتانًا أنه صاحب الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهي في الأصل ديمقراطية الدماء والإبادة، ديمقراطية الفصل العُنصري، ديمقراطية انتهاك الحُرمات والاعتداء على النساء والأطفال والعجائز.
لم يكن الحق الفلسطيني أشدَّ جلاءً ووضوحًا مثلما هو حاصل اليوم، لأنَّ الباطل الصهيوني تمادى في غيِّهِ وأمعن في مُمارسة أقسى مراحل الظلم التاريخي. حق الشعب الفلسطيني لم يعد يحتمل الجدال العقيم الذي كان يستهدف ترسيخ فكرة "التطبيع" مع العدو المحتل؛ باعتبار أن "السلام خيار استراتيجي"، لأن السلام لا يُمكن أن يكون خيارًا استراتيجيًا إلّا مع طرف آخر يؤمن به، بينما دولة الاحتلال المُجرمة لا تؤمن سوى بالإبادة، وتُعلنها على الملأ دون خشية من عقاب دولي أو حُمرة خجل من إنسانية داست عليها بأقدامها الغليظة القبيحة. دولة الاحتلال تُؤمن بأن الحل الوحيد للسلام- بالنسبة لها- يتمثل في إبادة شعب فلسطين، وطرد وتهجير الباقين قسرًا إلى أي بلد، وأن تظل مصدر تهديد لدول المنطقة، لأنها في الأساس كيان ناتج عن سفاحٍ بين مجرمي الاستعمار القديم وأباطرة المال والسلاح في الغرب، لتكون شوكة في حلوق الدول العربية، تُنغِّص عليهم معيشتهم، وتُعيق مسيرة تقدمهم أو تطورهم، وأن تظل بؤرة توتر عسكري، تشتبك هنا وهناك، تغتال هذا أو ذاك، تُفجِّر مطارًا أو مبنى سكنيًا أو معسكرًا أو حتى مفاعلًا نوويًا إذا أُتيحت لها الفرصة.
لكن في المُقابل، نرى الحق مُضيئًا بنور شمس الإيمان بالنصر المُبين، فأبطال المقاومة الصامدون وشعب فلسطين الأبي الصابر على كل جرائم الاحتلال، يضربون أروع الأمثلة في النضال لاستعادة الحق وتأكيده، يجاهدون بالنفس والمال والولد، يُؤازرون بعضهم بعضًا في وقت عزّت فيه روح المؤازرة والدعم. المقاومة نجحت في تحقيق العديد من الأهداف، وعلى رأسها زلزلة الأرض من تحت أقدام العدو؛ إذ لا تزال صواريخ المقاومة تصل إلى مدن الاحتلال وبلداته رغم الاجتياح البري الذي ينفذه جيش الاحتلال، ويوميًا نشاهد بالصوت والصورة تدمير الآليات العسكرية الإسرائيلية بكل بسالة على أيدي مقاتلي المقاومة. في حين أنَّ العدو لم يحقق أي هدف يُذكر، سوى أنه أطلق عشرات الآلاف من أطنان المتفجرات التي تسببت في الدمار الهائل بقطاع غزة، وتشريد كل سكان القطاع تقريبًا.
وبينما تتواصل معركة الحق والباطل، نجد أنَّ الكيان الصهيوني في طريقه للزوال، وحتميّة الانهيار، هذا الانهيار الذي بدأ في السابع من أكتوبر المجيد، بانكسار شوكة الجيش الذي لم يمل يومًا من تكرار أكذوبة "الجيش الذي لا يُقهر"، فتحوّل إلى الجيش المهزوم الذي يتجرع كؤوس الهزيمة ساعة تلو الأخرى. وبعد الانهيار العسكري، وقع الانهيار الاجتماعي في ظل الانقسام المجتمعي العنيف الحاصل الآن، والآن نشهد الانهيار السياسي مع تفكك حكومة الحرب بقيادة المُجرم نتنياهو.
وفي خضم معركة الحق والباطل، يجب أن نفخر ونُشيد ونُثمِّن السياسات الحكيمة لوطننا عُمان، فمنذ اليوم الأول من العدوان، وانطلاق هذه المعركة الفاصلة، أعلنت عُمان موقفها الحاسم والواضح والمُتمثل في رفضها لجرائم الاحتلال؛ بل والمطالبة بمحاكمة الاحتلال أمام العدالة الدولية، لتكون عُمان أول دولة في العالم تطالب بهذا الحق الأصيل، وتقود معركة دبلوماسية نزيهة، بأشد العبارات وأقوى التصريحات.
وهنا نُؤكد أنَّ الرؤية السديدة والحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بشأن فلسطين، نابعة من التفكير الاستراتيجي البعيد المدى لجلالته؛ إذ إنَّ جلالة السلطان وبفضل بصيرته النافذة واستشرافه للمُستقبل، تعاطى مع تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة بنظرة استراتيجية ثاقبة، أدركت منذ اللحظة الأولى أن لا خيارَ سوى الوقوفِ بجانب الحق، في معركته ضد الباطل، مصداقًا لقوله تعالى "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا". وتجلّت عبقرية دبلوماسيتنا في التزامها الشديد بالبُعد الأخلاقي والجانب الرسالي في أداء مهمتها، إيمانًا بعدالة القضية الفلسطينية، وتمسكًا بنهج الحياد الإيجابي، الذي يقف مع القضايا العادلة دومًا، دون تردد، لأنه نهج يمنحنا القدرة على رؤية ما هو أبعد من الوضع الحاصل في اللحظة الراهنة، ليصل بنا إلى استشراف مستقبل ومآلات الوضع، وهو أمر يؤكد لنا دون أدنى شك أننا نصطف مع الحق، لأنه "أحق أن يُتَّبَع".
ويبقى القول.. إنَّ معركة الحق والباطل ستظل مُستعرة إلى قيام الساعة، غير أنَّ المطلوب من كل إنسان يُؤمن بأحقية أخيه الإنسان في حياة كريمة حُرة، أن يُناصر الحق دائمًا، وأن يُدافع عن المظلوم صاحب القضية العادلة، مهما كلفه ذلك من أثمان، ربما يراها البعض كبيرة، لكنها مؤكد لا تساوي ذرة في ميزان العدالة الإلهي. ونقول لأهلنا في غزة العزة والكرامة، وشعبنا الشقيق في فلسطين المُحتلة، صبرًا يا أهل الحق؛ فالنصر قريبٌ، لا محالة.