صمت وخذلان.. وغزة تحترق!

 

حمد الحضرمي **

 

استمرار حرب الصهاينة الظالمة على غزة بهذه الشدة والضراوة، أمر مؤسف ومحزن ومرفوض بكل المقاييس والمعايير والمواثيق الدولية والقيم الأخلاقية والإنسانية، والمصيبة الصمت الدولي المخزي، الذي كشف للعالم أن المبادئ والقيم الديمقراطية والأخلاق الإنسانية التي ينادون بها ما هي إلّا شعارات براقة مزيفة خادعة، والمصيبة الأكبر الخذلان العربي المؤلم، والذي أصاب الشعوب العربية في مقتل، وقد ثبت هذا الخذلان على أرض الأحداث، عندما يتعرض إخواننا وأهلنا في غزة في حرب بشعة يفعل فيها العدو الصهيوني كل الأفاعيل المحرمة والمجرمة دوليًا، والأنظمة العربية صامتة لا تتخذ موقف يرفع الظلم والعدوان عن أخيهم المسلم الذي يقتل بدم بارد في غزة.

إن الصمت الدولي ليس مستغرب من الدول الغربية لأنها داعمة للصهاينة في السر والعلن، ولكن الصمت والخذلان العربي مؤلم لدرجة كبيرة، لأن المسلم أخو المسلم ويتطلب الأمر نصرته خاصة وقت الشدائد والمحن مثل ما يتعرض له الآن إخواننا وأهلنا في غزة من عدوان الصهاينة الغاشم، والذين يشنون حرب إبادة جماعية ليس لها مثيل في عصرنا الحالي، استخدم فيها العدو الصهيوني كل الوسائل والطرق الممنوعة والمحرمة دوليًا في الحروب، دون رقيب ولا حسيب من المجتمع الدولي. وأصبح من الواجب على الأنظمة العربية اتخاذ مواقف حازمة تجاه الكيان الصهيوني والدول الداعمة له، وتجاه الهيئات الدولية خاصة الأمم المتحدة؛ التي انحازت للكيان الصهيوني ولم تسعى ببذل الجهود الجادة لإنهاء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الصهاينة بحق أهلنا في غزة منذ شهرين.

هذه الحرب المجرمة بكل القوانين والمواثيق الدولية، قد دمرت كل شيء في غزة، حيث ازهقت الأرواح البريئة، وهدمت البيوت على ساكنيها، وجرفت الأراضي بكل ما فيها، وشتت الأسر والعائلات، ولم تراعِ حقوق الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والأسرى، فتعدت على كل شيء بلا رحمة ولا إنسانية ولا حقوق إنسان وتجاوزت الحدود، فأصبح من الواجب على الدول العربية والإسلامية - التي لها علاقات مع إسرائيل - قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وغلق مكاتب التمثيل التجاري والدبلوماسي معها، وطرد السفير الصهيوني من أراضيها، ومراجعة كافة المعاهدات والاتفاقيات السابقة التي عقدت مع العدو الصهيوني، ويتطلب الواقع التعامل بحزم وندية مع الكيان الصهيوني والدول الداعمة له.

آن الأوان للدول العربية أن تتحد لتصبح قوة عظمى، فلو اتحدت الدول العربية لأصبح الناتج القومي المحلي لها 5 تريليونات و990 مليار دولار، وستكون الدول العربية بهذا الاتحاد في المرتبة الرابعة عالميًا، بعد الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، وسيكون لديها 24 مليون برميل يوميًا، وسيصبح الجيش العربي عدده 4 ملايين جندي، ولديه 9 آلاف طائرة حربية، و4 آلاف طائرة هليكوبتر، و19 ألف دبابة حربية، فمن الذي سيجرؤ بعد هذا الاتحاد على غزو أي دولة عربية والتعدي عليها وقتل وتهجير أهلها كما يحدث الآن في غزة؟!

إن الدول العربية والإسلامية مطالبة الآن بدعم أهل غزة وفلسطين بالمال، وكسر أي حصار يفرضه الكيان الصهيوني عليهم؛ لأن الوضع في غزة مأساوي لدرجة لا تتصور، فالدعم والمساندة لأهل غزة أصبح علينا واجب لا يحتمل التأجيل، لأن هذا الدعم سيخفف على أهل غزة الكثير من المعاناة والمصائب والأزمات التي أثرت على كل مناحي الحياة لديهم، فبهذا الدعم والمساندة ستنبض الحياة لديهم من جديد في قطاعات كثيرة تشللت فيها الحركة، خاصة في القطاعات الصحية والطبية والخدمية الضرورية لمساعدة الناس المحتاجة للعلاج والدواء والغذاء. وقد حان الوقت على الدول العربية أن تكون أمة واحدة على عدو الله وعدوهم، وأن ينبذوا الفرقة والخلاف بينهم، مصداقًا لقول الله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا" (آل عمران: 103) ويقول عز وجل "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" (الأنفال: 46).

ومن الأهمية البالغة في عصرنا الحالي ما تلعبه وسائل الإعلام والإعلاميين عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي لها دور كبير في توضيح الحقائق ونشر الصورة الصادقة لما يحدث من جرائم ومجازر يقوم بها الصهاينة في حق إخواننا وأهلنا في غزة، وعليهم كذلك دعم القضية الفلسطينية لأنها قضية الأمة بأكملها، ويتوجب إرسال المبادئ وترسيخ المفاهيم الإعلامية الصادقة في عقول الناس في كل أنحاء العالم عن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بأرضه كاملة، وعلى حكومات الدول العربية والإسلامية الاهتمام ودعم وسائل الإعلام والإعلاميين، لتكون قنواتهم الفضائية ومجلاتهم وجرائدهم قوية تنافس الآخرين بجدارة، حتى تصل القضية الفلسطينية العادلة ومطالبات شعبها المستحقة للناس كافة، ويتم فضح ونشر المجازر والجرائم الصهيونية البشعة المرتكبة في حق إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين للعالم بأسره.

وعلى الأمة أن تقوم بواجبها الديني الذي فرضه الله عليها، بأن تكون أمة واحدة تقاتل صف واحد، وتصبح كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى لها سائر الجسد بالسهر والحمى، فواجبنا تجاه إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين أن نشعر ونحس بشهدائهم وبدمائهم الزكية، ونتألم بجروحهم وآلامهم، ونستعد للجهاد معهم بكل ما نستطيع بالمال والأنفس، قال تعالى "انفروا خفافًا وثقالًا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم" (التوبة: 41). وواجب الأمة العربية والإسلامية أن تقف وقفة رجل واحد مع إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين ضد الصهاينة المعتدين الذين تجاوزوا كل الحدود والقوانين واخترقوا كل الأعراف والمواثيق الدولية، لقد ارتكب الصهاينة في غزة محرقة كاملة وإبادة جماعية، غابت عنها كل القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية، وإن لم تتحرك الأمة العربية والإسلامية في هذا الظرف الأليم والأحداث العصيبة والمآسي والجرائم البشعة الواقعة الآن أحداثها في غزة، فمتى وأين وكيف ستتحرك هذه الأمة!

علينا جميعًا كمسلمين واجبًا شرعيًا نصرة إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين، فانصروهم بالدعاء الخالص والاستغاثة الصادقة، واجعلوا الدعاء لهم مستمرًا لا ينقطع، وتذللوا في دعائكم واخشعوا لربكم لعله يستجيب لأحدكم، وانصروهم بمقاطعة كافة منتجات الشركات الداعمة للعدو الصهيوني، لأن المقاطعة سلاح الشعوب الفعال للضغط على الشركات العالمية وعلى المجتمع الدولي، وانصروهم كذلك بأموالكم ولو بالقليل منها، وانصروهم بمعاداة الكفار والمشركين والظالمين والفاسقين من اليهود ومن والاهم وأيدهم، وانصروهم بإحياء شعيرة الجهاد في نفوسكم وفي نفوس أبنائكم وأبناء المسلمين، فقد فقدت الأمة عزتها وكرامتها وطمأنينتها، فأصبحت أمة ضعيفة حتى فقدت هيبتها وقوتها، فلا عزة للأمة إلا بالجهاد في سبيل الله، حتى تعود لها مكانتها وقوتها وهيبتها بين سائر الأمم.

واختم بقول الشاعر المصري علي محمود طه:

أخي جاوز الظالمون المدى

فحق الجهاد وحق الفدا

انتركهم يغصبون العروبة

مجد الأبوة والسؤددا

فجرد حسامك من غمده

فليس له بعد أن يغمدا

أخي أيها العربي الأبي

أرى اليوم موعدنا لا الغدا

** محامٍ ومستشار قانوني