حتى لا تلحق فلسطين بالأندلس

 

حمد الحضرمي **

 

خرج المسلمون من الأندلس خروجًا نهائيًا منذ أكثر من خمسة قرون مضت، بعد أن وقع أبو عبدالله محمد الصغير آخر ملوك الأندلس من المسلمين معاهدة استسلام مع الأسبان، وكانت غرناطة آخر معاقل المُسلمين فيها. وقد حُكمت الأندلس بالإسلام ثمانية قرون، والآن لا يعيش في الأندلس- أسبانيا والبرتغال حاليًا- سوى 100 ألف مسلم فقط، فهي من أقل بلدان العالم تعدادًا للمسلمين، وهذا درس لا بد أن ينتبه ويحذر منه المسلمون، حتى لا يتكرر ما حدث ووقع في الأندلس، وتضيع دولة إسلامية أخرى مثلها.

لقد فعل الأسبان كل الأفاعيل بالمسلمين في الأندلس، وقضوا عليهم عن بكرة أبيهم، حيث كانوا يقتلون أهل أي مدينة إسلامية يدخلونها بمجازر ومذابح جماعية، ويطردون ما تبقى منهم خارج البلاد، ومع مرور الأيام لم يبقَ في الأندلس مُسلمون، فقد أصبحوا أمواتًا - شهداء عند ربهم - أو لاجئين، وقدم الأسبان من كل مكان ليستوطنوا في الأندلس، ومع مرور الوقت أصبح سكان الأندلس كلهم من الأسبان، واختفى المسلمون منها بشكل نهائي.

وما أخشاه أن تتكرر حادثة الأمس بالأندلس اليوم في فلسطين، فما يفعله الصهاينة من خطط وطرق يتم تنفيذها في أراضي فلسطين، لهو طبق الأصل لما فعله الأسبان من قبل في الأندلس، حيث يقومون بقتل المسلمين، أو طردهم خارج أراضيهم، وتحويل الشعب إلى لاجئ أو شهيد، وهدم البيوت والمباني، وإقامة المستوطنات اليهودية في كل مكان في الأراضي الفلسطينية، حتى تصبح فلسطين كلها في قبضة اليهود، كما أصبحت الأندلس من قبل كلها في قبضة الأسبان.

وما يحدث الآن في فلسطين هو عملية تطهير عرقي لإحلال اليهود محل الشعب الفلسطيني، وتصبح دولة إسرائيل على أرض دولة فلسطين، كما أصبحت الأندلس مع مرور الزمان اسمها إسبانيا والبرتغال. وإذا تقادم العهد على الاحتلال الصهيوني فسيصبح هذا أمرًا واقعًا، وهكذا هي الأحداث تتغير وتتبدل، فالناظر والمتابع للوضع في فلسطين يرى أن المسلمين قبل ربع قرن تقريبًا كانوا لا يعترفون بالكيان الصهيوني مُطلقًا؛ حيث كانوا يصفون اليهود بأنهم مجموعة من اللصوص سطوا على أرض ليست أرضهم فاحتلوها واستوطنوها.

ومع مرور الأيام وافق الذين كانوا بالأمس لا يعترفون باليهود بوجود إسرائيل على مساحة 78% من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يتبقَ من أراضي فلسطين المحتلة إلا الضفة الغربية وغزة، ثم ستأتي مرحلة لا محالة من قدومها، يسعى فيها اليهود لإنهاء الوجود الفلسطيني بأكمله، وبعدها سوف يطالب المسلمون بفلسطين يومًا أو يومين أو سنة أو سنتين أو أو قرنًا أو قرنين، وبتقادم العهد، تصبح فلسطين إسرائيل، كما حدث قبل أكثر من خمسة قرون للأندلس وضاعت من أيدي المسلمين.

وسوف يرتبط المسلمون مع إسرائيل بعلاقات دبلوماسية وتجارية وثقافية وغيرها من العلاقات بين الدول الصديقة، كما ارتبط المسلمون بعلاقات مع أسبانيا والبرتغال. وإذا تقادم العهد على احتلال فلسطين كما يخطط له الصهاينة، فقد يأتي زمان يزور فيه المسلمون المسجد الأقصى بتأشيرة سياحية من السفارة الإسرائيلية، كما يزورون الآن مسجد قرطبة بتأشيرة سياحية من السفارة الأسبانية!!

أيها المسلمون.. أفيقوا من نومكم الذي مكث طويلًا، وانتبهوا وكونوا على حذر من خطط اليهود الذين يتبعون وينفذون نفس أسلوب الأسبان عندما قضوا على المسلمين في الأندلس واحتلوها، والمشهد أمامكم الآن واضح وضوح الشمس، فاليهود ينفذون خططهم واحدة تلو واحدة، وقد احتلوا منذ سنوات ثلاثة أرباع فلسطين، والآن يحاولون بكل الطرق غير المشروعة والمجرمة والمحرمة دوليًا القضاء على أهل غزة بقتل وتهجير الإنسان الفلسطيني، وهدم وتخريب البيوت والمباني، حتى يسيطروا على أرض غزة ويخلو لهم المكان، ويأتون باليهود الصهاينة للعيش في غزة وتصبح كل أراضي فلسطين المحتلة أراضي لإسرائيل.

إن قضية فلسطين هى أخطر قضية على الإطلاق تعيشها الآن الأمة الإسلامية، حيث يذبح شعب غزة جميعهم، الطفل منهم والمرأة والشيخ الكبير، والشعب يُباد، والأرض تغتصب، والحرمات تنتهك، والكرامة الإنسانية تُهان، والدين يضيع، ونحن العرب والمسلمون سكون بلا حراك، وصمت بلا كلام. والأمر إذا ترك على حاله من التراجع والضعف والهوان والانكسار، فإن فلسطين ستلحق بالأندلس، وسيكون مصيرها كمصير الأندلس في الضياع والنسيان.

علينا جميعًا كمسلمين تحريك القضية الفلسطينية في كل أنحاء العالم، ومحاربة الهزيمة النفسية، وبث روح الأمل في عودة اليقظة للأمة الإسلامية، وتحفيز الناس على المقاطعة الاقتصادية الشاملة الكاملة لكل ما هو يهودي وأمريكي وغربي أو من أي دولة أو شركة تؤيد وتدعم العدو الصهيوني المحتل، وعلينا بالتوجه إلى الله بالدعاء المستمر لنصرة إخواننا وأهلنا في غزة، حتى نحافظ على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، ونكافح ونناضل لكي نحرر الأراضي المحتلة من اليهود المعتدين.

ويبقى الطريق الشرعي الأهم لتحرير فلسطين من أيدي الصهاينة المعتدين، هو طريق المقاومة، لأن الشعوب لا تتحرر إلا بالتضحيات والدماء والكفاح والعطاء، ولو جلس الليبيون عشرات السنوات يتفاوضون مع الإيطاليين، لما خرج الطليان من الأراضي الليبية، ولو جلس الجزائريون عشرات السنوات يتفاضون مع الفرنسيين، لما خرج الفرنسيون من الأراضي الجزائرية، ولو جلس الفيتناميون عشرات السنوات يتفاوضون مع الأمريكيين، لما خرج الأمريكان من الاراضي الفيتنامية.

والحال ينطبق على اليهود فهم أكثر خبثًا ومكرًا وحقدًا وطغيانًا من الشعوب الأخرى، فلا تنفع مع اليهود الصهاينة المحتلين المفاوضات السلمية، ولا الطرق الدبلوماسية، ولا القانون الدولي، ولا منظمة الأمم المتحدة، لأنه من المستحيل أن يأخذ الفلسطينيون حقوقهم المسلوبة، ويستردون أراضيهم المغتصبة، من الصهاينة اليهود الظلمة الطغاة الجبابرة، إلا بالثورة عليهم ومقاومتهم وقتالهم، لأن الحق لا يحمى ولا يسترد إلا بالقوة.

** محامٍ ومستشار قانوني