بورفؤاد.. مدينة الجمال والنضال

 

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي **

 

المدنُ والمرافئ والموانئ والمطارات كالسماء، وهي عُنوان شُعوبها ودُولها؛ حيث إنِّها تعكس مدى التقدم والتحضر لدى هذا الشعب، أو ذاك، لأنه كما يُقال "الكتابَ يُقرأ من عُنوانه"، كالحب الذي يكون من النظرة الأولى.

وحديثنا في هذا المقال عن بورفؤاد، هذه المدينة الوادعة الهادئة التي يخلتط فيها الجمال بالنضال، وتُذِّكرُنَا بالزمن الجميل الذي نَحِنُّ إليه كلما ألمَّت بنا صُروف الدهر ونوائبه، ونلُوذ به للاحتماء بحثًا عن الدفء والأمان.

زرت هذه المدينة الرائعة قبل سنتين في الصيف، رغم أنني أمضيت في مصر أربع سنوات مُلحقًا ثقافيًا سابقًا بسفارة سلطنة عمان بالقاهرة، زرتُ خلالها مُعظم المحافظات والمدن المصرية بما فيها محافظات القنال (الإسماعيلية، وبورسعيد، والسويس).

إنك عندما تزور هذه المدينة لأول مرة، فإنِّه سوف يخيل إليك بأنك في حي ريفي من أحياء بريطانيا، أو بعض المدن الأوروبية المشهورة بهدوئها، وسكينتها، بعيدًا عن صخب المدن الكبرى وضجيجها.

وبورفؤاد (Port Fuad) هي مدينة مصرية، تتبع محافظة بورسعيد، وتمثل الشطر الآسيوي لهذه المحافظة الأفروآسيوية؛ إذ تقع بورفؤاد على ساحل البحر المتوسط في الركن الشمالي الغربي لشبه جزيرة سيناء، تحدها شرقًا محافظة شمال سيناء، وجنوبًا الإسماعيلية.

وسُمِّيت هذه المدينة بهذا الاسم، نسبة للملك فؤاد (واسمه أحمد فؤاد)، ولكونها ميناءً بحريًا، والملك فؤاد (26 مارس 1868- 28 إبريل 1936) كان سلطان مصر خلال الفترة من 1817 إلى 1922، ثم غير لقبه، وأصبح يُنادى بملك مصر وسيد النوبة وكردفان ودارفور، وذلك منذ إعلان استقلال مصر في 15 مارس 1922.

كانت بورسعيد والإسماعيلية والسويس تُسمى مُدن القنال، وتغيرت هذه المدن إلى محافظات منذ سنوات طويلة. وكانت السويس وبورسعيد تحت محافظة واحدة باسم محافظة (القنال) في عهد الخديوي إسماعيل عام 1863 برئاسة إسماعيل حمدي بك.

وأنشِئت بورفؤاد سنة 1920، وكان يقطنها في بداية الأمر 800 شخص من الأجانب الذين يعملون في ورش شركة قناة السويس، وقد صُمِّمت على الطراز الفرنسي، وافتتحت في 21 ديسمبر 1926. وقُدِّرَ لي مُشاهدة هذه الفلل الجميلة التي ما زالت بحالة جيدة في زيارتي الأولى لهذه المدينة، ورأيت كثيرًا منها، وعندما سألت عن ساكنيها قيل لي: إنَّ مُعظمهم يعملون في هيئة قناة السويس.

ومن المنشآت الموجودة في بورفؤاد مسجد بورفؤاد الكبير، وهو أول مسجد افتتح ببورفؤاد، ويُقال إنّ المنبر الذي بداخله هو من أيام الملك فاروق، أطلق بعضهم عليها لقب: (مدينة باريسية على أرض مصرية)، وهي واحدة من أجمل وأرقى المدن الساحلية في مصر.

كان السكان والسياح ينتقلون منها وإليها في السابق، بواسطة العبارات إلى أن تمَّ إنشاء جسر صغير مُعلق، خُصص لعبور السيارات، مما سهَّل الحركة، وبقيت العبارات كما هي لمن أراد استخدامها.

وهنالك موانئ ومرافئ تحمل اسم (بور) كبورسعيد نسبة إلى والي مصر محمد سعيد باشا، الذي تولى حكم مصر من 24 يونيو 1854 إلى 18 يناير 1863، وكان الابن الرابع لمحمد علي باشا، والخديوي سعيد هو باني قناة السويس.

ومن الموانئ التي تحمل اسم (بور) كذلك بورتوفيق، نسبة إلى الخديوي توفيق، واسمه محمد توفيق باشا، سادس حُكّام مصر من الأسرة العَلَويّة، وهو خديوي مصر والسودان من 1879 إلى 1892.

ومن الموانئ العربية التي حملت اسم (بورت - Port) بورتسودان‎ في السودان، ولعل ذا بسبب التأثير البريطاني على مصر والسودان إبان الاحتلال، وسُميت بعض هذه المرافئ والموانئ بـ(بورتو - Porto)، وهي ميناء أو مرفأ باللغة الأسبانية، واللغة البرتغالية، واللغة الإيطالية، واللغة الفرنسية، ومنها (بورتو السخنة) في منطقة العين السخنة حاليًا. ويُحدثني أحد الإخوة العرب المقيمين في مصر منذ سنوات طويلة بأنه رأى هذه العين المائية بنفسه. وتُتَرجِمُ بعض الدول كلمة (Air Port) بالميناء الجوي، وليس المطار، وتكتب على مطاراتها.

** كاتب وأكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك