أمة الإسلام أمة لا تموت

حمد الحضرمي **

 

أطماع اليهود المعتدين المحتلين في أرض فلسطين لا تنتهي، يفكرون دائمًا بالتوسع وعدم قناعتهم بما احتلوه من أراضٍ في فلسطين؛ فاليهود يقولون كما جاء في توراتهم المحرفة: "إن الرب قد منحهم الأرض الواقعة بين نهري النيل والفرات".

وقد احتل الانجليز فلسطين عام 1917م ثم سلموها إلى اليهود في عام 1948م، ففلسطين رهن الاحتلال الغاصب منذ ما يزيد على تسعين عامًا، وما زالت في أيديهم إلى يومنا هذا، وأصبح اليهود يتحكمون بشعب فلسطين كيف ما يشاؤون دون رقيب ولا حسيب، والآن إخواننا في غزة يعيشون أصعب مرحلة تمر عليهم  في حياتهم بعد نكبة عام 1948م، فقد تكالب عليهم اليهود وأعوانهم بالقصف بالصواريخ والقنابل والمتفجرات من البر والبحر والجو، وتهدمت عليهم البيوت ومات الآلاف من الشهداء، من الأطفال والنساء والشيوخ، والآلاف من الجرحى والمصابين وتحت الأنقاض.

إن إخواننا وأهلنا في غزة في أشد المعانأة والآلام والأحزان والمصائب والمصاعب وقد تقطعت بهم السبل، وتقطعت أجسادهم وقلوبهم، فإلى متى يا أمة الإسلام هذا الضعف والهوان، متى تستيقظ قلوبنا النائمة من هذه الغفلة، ومتى تكون الصحوة، وندرك بأن قضية فلسطين هي قضية أمتنا الإسلامية، ومتى تتحرر أرض فلسطين من أيدي الصهاينة الغاصبين وتعود حرةٍ أبية.

ولذا.. يتوجب علينا جميعًا رجالًا ونساءً، شبابًا وشيوخًا، نصرة قضية فلسطين، حتى تعود فلسطين إلى أحضان الأمة العربية والإسلامية، ولكي تتحرر فلسطين علينا أولًا تغيير أحوالنا من الذلةٍ إلى العزة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الهوان إلى التمكين، والرجوع إلى الإسلام الحقيقي والتمسك بشرع الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتصحيح العقيدة بالعلم وصلاح القلوب، حتى ترتفع لدينا درجات الإيمان وترتفع معه صفات المؤمنين في النضال والجهاد والقوة، وعلينا عدم موالاة أعداء الله من اليهود وغيرهم في كل مشارق الأرض ومغاربها، ونكون على يقين تام بأن الغلبة ستكون لله وللمؤمنين، ولا نصر لأعداء الله ولو كانت القوة في أيديهم، ويوضح الله في كتابه العزيز ذلك في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (*) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة: 51- 52). وعلينا التوجه إلى الله بالدعاء في كل الأوقات؛ فالدعاء من أقوى أسلحة المؤمنين في حروبهم مع الكافرين، والدعاء ركن من أركان النصر، وسبب من أسباب التمكين، ومهما طال الطريق، ومهما عظم الخطب، فالدعاء هو مفتاح الفرج، دعاء لا يتوقف ولا ينقطع، كله رجاء وأمل بالله بأن ينزل على إخواننا وأهلنا في غزة الفرج، لكل شدة وضيق وحزن وهم وغم وكرب وألم، ونرجو من الله المدد والعون والتأييد والغلبة والتمكين والنصر المبين.

إن ما يفعله الصهاينة المجرمون في حربهم ضد إخواننا وأهلنا في غزة، أثبتت الأحداث والوقائع أن اليهود لا أخلاق لهم ولا إنسانية، فهم كغيرهم من الظالمين والفاسدين السابقين من الصليبيين أو التتار أو الأوربيين، أو الأمريكان وغيرهم، وقد اشتهر اليهود عبر التاريخ الطويل بالكذب والخيانة والغدر والغش والظلم والتآمر وإثارة الفتن والمشاكل، فعلينا أخذ الحيطة والحدز منهم وفي التعامل معهم في السلم والحرب، قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ" (النساء: 71)، ومن الحذر معرفة حقيقة العدو، وفضح مخططاته، وأفعاله وممارساته الإجرامية بحق إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين المحتلة، والأمر يتطلب من الأخوة في غزة نقل الأحداث والوقائع من أرض المعركة للعالم، خاصة أحداث العدوان والقصف والحصار المفروض على غزة؛ لأن المعلومة قوة، ويتوجب التواصل مع مختلف وسائل الإعلام الحرة لنقل جرائم اليهود الصهاينة إلى العالم بأسره، وكشف الوجه الحقيقي للعدو الصهيوني، وفضح انتهاكاته للحرمات، وعدم احترامه لحقوق الإنسان، كما أكدت لنا حرب الصهاينة لغزة المساندة الغربية لليهود وخاصة من أمريكا وقبلها الإنجليز. وقد نجح اليهود في أمريكا وأوروبا نجاحًا كبيرًا في الضغط اليهودي السياسي والإعلامي، وهم يساندون اليهود لأنهم يعتقدون بأن اليهود أمة مقدسة، لذلك ينصرونها بكل طاقاتهم. ومن وجهة نظر الكثير من السياسيين فلا فائدة من حمل ملف القضية الفلسطينية إلى أمريكا أو إلى انجلترا، لأن ارتباط هاتين الدولتين باليهود الصهاينة ارتباط عقائدي وليس ارتباط مصالح فقط.

ويتوجب علينا أمة الإسلام التحرك في كل الأوساط؛ لأن الإبادة الوحشية والظلم والتآمر والعدوان الواقع الآن على إخواننا وأهلنا في غزة قد بلغ مداه، وتجبر الصهاينة وتكبروا وأصابهم الغرور؛ لأنهم لم يجدوا من يقف في طريقهم ويمنعهم من هذه التجاوزات الخطيرة التي يقومون بها، ويستمر سعيهم الدائم لتوسع دوائر نفوذهم وتقطيع أوصال الأمة، فعلينا التحرك الآن كعرب ومسلمين في كل المحافل وبكل الوسائل؛ فالوقت يمضي وتمر الأيام، وإخواننا في غزة تحت نيران اليهود ليل نهار، ويزداد في إخواننا القتل وتهدم المنازل وتجرف الأراضي وتشتت الأسر، وتزداد المستوطنات، وتغلق الحدود والمعابر، وتقطع الكهرباء والمياه وخدمات النت والتواصل، وتمنع دخول المساعدات الطبية والإنسانية، فلا يجد الجرحى والمصابون والمرضى حتى الدواء، ويموت المئات تحت الأنقاض قبل إسعافهم، لأنهم لم يجدوا من ينتشلهم ويقدم لهم العلاج، فكيف تطيب لنا الحياة، وإخواننا في غزة الآن في قبضة اليهود الصهاينة يفعلون بهم ما يريدون، من القتل والعنف والقهر والإهانة والتهجير، ويحدث كل ذلك أمامنا ونحن في سبات عميق وسكون وصمت ولا حراك.

وجب على دول العالم التحرك الآن لوقف هذا العدوان الظالم والحرب القذرة على إخواننا وأهلنا في غزة، وإنني لأحيي الشعوب العربية والإسلامية ودول العالم الحر، التي تخرج شعوبها في مظاهرات تعبر عن مشاعرها الصادقة والرافضة لهذه الحرب القذرة غير العادلة، ويتوجب علينا تحريك القضية الفلسطينية على كل المستويات للمطالبة بوقف الحرب وحل القضية الفلسطينية بشكل نهائي.

وعلينا بالوحدة والوقوف مع إخواننا وأهلنا في غزة، يقول الحق سبحانه وتعالى "إنما المؤمنون إخوة" (الحجرات: 10) ويقول تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا" (آل عمران: 103)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف "إن المؤمن للمؤمن كالبينان يشد بعضه بعضًا". وعلينا من الآن نبذ الفرقة بيننا والبعد عن مواطن الخلاف وإصلاح ذات البين، وتفعيل آليات العمل المشترك، ونشر ثقافة الجهاد في مجتمعات العربية والإسلامية بالنفس والمال، وتحقيق الوحدة بيننا كعرب ومسلمين، حتى تكون وحدتنا قوة في وجه أي عدو.

ومن جهة ثانية، فإن تفعيل المقاطعة الاقتصادية للمنتجات اليهودية، ومنتجات الدول التي تساند اليهود الصهاينة من الوسائل المهمة التي لها تأثيرًا بالغ، ويرى بعض العلماء أن المقاطعة واجبة على كل مسلم ومسلمة، لأن المقاطعة سلاحٌ فعال ومؤثر ووسيلة من وسائل المقاومة لمواجهة العدو، وتوقفه عند حدوده، والأمر يتطلب الاجتهاد في نشر وتفعيل المقاطعة الاقتصادية للمنتجات اليهودية في جميع المجتمعات العربية والإسلامية لأنه سلاح فعال بوجه العدو، ويساعد إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين على النصر والغلبة والتمكين.

وهنا للعلماء والخطباء دور فعال في الحث على المقاطعة لأن للعلماء والخطباء مكانة مؤثرة في قلوب الناس، وقد تم إعداد قوائم بالمنتجات المطلوب مقاطعتها وتم نشرها للجميع، والحمد لله بدأت هذه المقاطعة تحقق بعض أهدافها والأمر يتطلب الاستمرار في المقاطعة عبر وسائل الإعلام المختلفة وتبادل المقالات والعبارات المكتوبة عن المقاطعة، حتى تحقق المقاطعة أهدافها كاملة.

إنني أبعث بكلمات بسيطة إلى إخواننا وأهلنا في غزة، أقول لكم يا الرجال الأبطال المجاهدين الأحرار، إن الأمل والرجاء بالله كبير، والنصر والغلبة والتمكين لا محالة هو حليفكم يا جند الله وأنتم بمشيئة الله الغالبون، لأن أمة الإسلام أمة لا تموت، وهذا ما يميزها عن بقية الأمم، وصدق الله القائل في كتابه الكريم "وكان حقا علينا نصر المؤمنين" (الروم:47)، وعلينا أن ندرك حقيقة البشرى بالنصر والتمكين وهيمنة الإسلام وفتحه مشارق الأرض ومغاربها، والبشارة بوجود طائفة منصورة في فلسطين تثلج صدور المؤمنين، فقد روى أبو أمامة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"، وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعد كل الجولات المتعددة مع اليهود فإن الجولة الأخيرة ستكون لنا بإذن الله؛ فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود".

يا إخوة الدين والعقيدة اصبروا، ففي اللحظة التي يبلغ فيها الألم أقصاه، ويبلغ الصبر ذروته، ويستفرغ المؤمنون جهدهم، يقترب النصر "ألا إن نصر الله قريب" (البقرة: 214) وإذا اشتدت الأزمة يعني أن حلها قد اقترب، وقال الإمام الشافعي:

ولرب نازلةٍ يضيق لها الفتى // ذرعًا وعند الله منها المخرجُ

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها // فرجت وكنت أظنها لا تفرجُ

واعلموا أيها الأبطال المجاهدين الأحرار بأن عدو الله وعدوكم جبناء فقد وصفهم الله في كتابه الكريم وصف دقيق بقوله تعالى "ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا" (آل عمران: 112) ويقول تعالى "لا يقاتلونكم جميعًا إلا في قرى محصنةٍ أو من وراء جدرٍ" (الحشر: 14) فلا تخشون كثرة العدو، ولا قوة عتادهم، ولا كثرة أموالهم، فقد كفاكم الله عددهم وعدتهم وأموالهم.

وقال الشاعر الفلسطيني عبدالرحيم محمود:

سأحمل روحي على راحتي // وألقي بها في مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق // وإما ممات يغيظ العدا

ونفس الشريف لها غايتان // ورود المنايا ونيل المنى

إن فلسطين الأرض المباركة، والأرض المقدسة، والأرض التي شهدت مسيرة الأنبياء، والأرض التي حوت الكثير من المقدسات، والأرض التي رويت بدماء الشهداء، وبها أولى القبلتين وثالث الحرمين، وإليها أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ترابها صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامًا بالأنبياء والمرسلين، ولذلك تعتبر قضية فلسطين من أهم القضايا التي تشغل أمتنا الاسلامية في زماننا هذا والأزمنة السابقة، وليعلم الجميع بأن أمة الإسلام أمة لا تموت، بها رجال كالأسود قساورة لا يهابون القتال ويحبون الجهاد والموت في سبيل الله، والتاريخ بمشيئة الله سيعود لسيرته الأولى لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الصهاينة الذين كفروا هي السفلى، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" (الشعراء: 227).

اللهم انصر إخواننا وأهلنا المستضعفين في غزة وفلسطين، اللهم اجبر كسرهم وارحم ضعفهم وآمن روعهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بالصهاينة المعتدين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم وأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم احصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تغادر منهم أحدًا، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

** محامٍ ومستشار قانوني