هل الحب والشجاعة توأمٌ؟

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

لا للأدب العربي الأصيل أن يكون في أجمل حلته إلا عندما يتوشح بسيرة الأبطال الذين أبدعوا في ملاحم الفخر والبطولة والفداء عن أوطانهم، الفرسان الذين اقتنوا أفضل الخيل وأمضى السيوف وكان يكفي حضورهم الجحفل لتحسم المعركة قبل أن تبدأ؛ وذلك لأنَّ صيتهم سبق وصولهم، وذلك ليس لأنهم شجعان فقط؛ بل إنهم حملوا صفة الترفع والالتزام والتصميم ولم يكن لديهم أطماع لا في مال ولا حتى في جاهٍ، ولم يكونوا على استعداد لأن تكون تضحياتهم بأنفسهم مقابل أي شيء، مهما علا شأنه، وهم لا يتصنعون؛ حيث كان الجَدُّ شعارهم، والكرامة صفة فيهم.

يقول أحدهم في مطلع قصيدة في الفخر والشجاعة:

إن سلت عن اسمي تراني شليويح

قرمٍ على قطع الخرايم عزومي

إن قلت الوزنة وربعي مشاويش

انترك الوزنة وعنها نشومي

ويقول عنتر بن شداد: "يخبركِ من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم".

الشجاعة والإقدام عند العربي الأصيل تسايرها حصانة من كثير من الجوانب فالشجاع يمنعه شموخه من الكذب أو السرقة أو البخل أو التأخر عن نجدة الملهوف أو الجائع أو المحتاج فلو أن أي صفة من الصفات السيئة كانت في من يحمل الشجاعة لما استحق أن يكون فارس قومه ودليلهم في ظلمات الليالي ومقدامهم يوم يغيب عن الخيل الحجل والعكس تمامًا وإن من يوصف بأي فعل لا تقبله الفطرة السوية فإنه لا يستطيع أن يكون بذلك الاستحقاق ويحمل صفة شجاع قومه.

أعتقد جازمًا أنني وحين أعطيت الشجاعة والحب عنوانا أن هناك من سيسأل ما هي العلاقة بين الأمرين، وفي الحقيقة أن ما بين الأمرين عالمًا من الحقيقة المطلقة، ولذلك كان لا بُد لي من توضيح ذلك وإيصاله إلى فكر الشباب والأجيال، خاصة في هذا الزمان الذي يذهلنا بحقائق الأمر الواقع، ومن كل حدب وصوب من خلال الإعلام الموجه من كل ثقافات العالم، والتي قد يكون أغلبها ليس بذلك المستوى الذي يناسب مجتمعاتنا. وكما أوضحت أن الشجاع والشجاعة صفة الكرام، فنعم إن الشجاع يحب ويهيم في الحب؛ بل إنه يرى فيمن يحب إلهامًا وسببًا لكل ما هو عظيم ومشرِّف، فهو عندما يريد أن يتراخى في مواقع الفداء لا يقبل خوفًا إن يتغير من يحب وهو لا يسرق ولا يكذب ولا يبخل أيضاً، مخافة أن يسمع من يحب عنه ذلك، ومع هذا كله فإني أصلُ إلى ما جعلني أكتب هذا المقال اليوم وهو أن من يحب لا يرضى بالخطأ أو الرذيلة والفاحشة، وإن فعل ذلك فإنما هو ممثل بارع ليس أكثر، وأن درجة الترفع والأخلاق والشرف هي تلك التوائم التي تربطه بالشجاعة والإقدام الحقيقي، ولا يمكن وبأي شكل من الأشكال أن يجتمع الخطأ والصواب.

لعلنا ندرك أن خيار الترفع هو ذلك الخط الفاصل ما بين النجوم والقاع، والأقرب إلى دونية الرؤية أو الشموخ بالفكر، معزة وفخرًا، أما ما يقابل ذلك فهو أن تكون رؤية الشباب بعيدة عن منطق احترام الذات والآخرين، ومطابقة ما يسيء بحجج كلمات الحب التي لا تعدو أن تكون حيلة للضرر بأبناء الناس وهي نفسها التي تطيح به من ترفعه وعزته.